للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"أحدها:

أن يكون الفعل مشتملًا على مصلحة أو مفسدة، ولو لم يرد الشرع بذلك، كما يعلم أن العدل مشتمل على مصلحة العالم، والظلم يشتمل على فسادهم، فهذا النوع هو حسن أو قبيح، وقد يعلم بالعقل والشرع قبح ذلك، لا أنه ثبت للفعل صفة لم تكن، لكن لا يلزم من حصول هذا القبح أن يكون فاعله معاقباً في الآخرة إذا لم يرد شرع بذلك، وهذا ما غلط فيه غلاة القائلين بالتحسين والتقبيح، فإنهم قالوا: إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة، ولو لم يبعث الله إليهم رسولًا، وهذا خلاف النص، قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء: ١٥] ...

النوع الثاني:

أن الشارع إذا أمر بشيء صار حسناً، وإذا نهى عن شيء صار قبيحاً، واكتسب الفعل صفة الحسن والقبح بخطاب الشارع.

النوع الثالث:

أن يأمر الشارع بشيء يمتحن العبد، هل يطيعه أم يعصيه، ولا يكون المراد فعل المأمور به، كما أمر إبراهيم بذبح ابنه فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات: ١٠٣] حصل المقصود، ففداه بالذبح، وكذلك حديث أبرص وأقرع وأعمى، فلما أجاب الأعمى قال الملك: " أمسك عليك مالك، فإنما ابتليتم، فرضي عنك وسخط على صاحبيك"، فالحكمة منشؤها من نفس الأمر لا من نفس المأمور به.

وهذا النوع والذي قبله لم يفهمه المعتزلة، وزعمت أن الحسن والقبح لا يكون إلا لما هو متصف بذلك بدون أمر الشارع، والأشعرية ادعوا أن جميع الشريعة من قسم الامتحان، وأن الأفعال ليست صفة لا قبل الشرع ولا بالشرع. وأما الحكماء والجمهور فأثبتوا الأقسام الثلاثة، وهو الصواب". (١)

* ومما أشكل به المعتزلة فى زعمهم أن دخول الجنة إنما يكون بعمل العبد وسعيه، قوله تعالى (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: ٣٢]، وقوله: (جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة: ١٧] (٢)


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ٤٣٤ - ٤٣٦)
(٢) ولذلك لما أتى الزمخشري إلى تفسير قوله تعالى (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)) (الأعراف/٤٣) قال: بسبب أعمالكم، لا بالتفضل كما تقول المبطلة!!
وانظر الكشاف (٢/ ١١٦)
وهو يعنى بالمبطلة أهل السنة الذين قالوا أن العبد لا يستحق الجنة بمحض عمله؛ لقوله عليه الصلاة والسلام (لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله ولكن بفضل الله وبرحمته)

<<  <  ج: ص:  >  >>