للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) هى باء السببية، وقد جعل الله -تعالى- العمل سببًا لدخول الجنة، والله - تعالى- هو خلق الأسباب والمسببات، فرجع الكل إلى محض فضل الله ورحمته. (١)

فإن دخول الجنة لا يحصل إلا بمحض رحمة الله تعالى، وهذه الرحمة إنما يستجلبها المرء بعمله وطاعته، وبيان ذلك في قوله تعالى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦)) (الأعراف/١٥٦). (٢)

* كذلك مما أشكل به المعتزلة:

ما ذكره القاضي عبدالجبار بقوله:

"اعلم أنه تعالى إذا كلفنا الأفعال الشاقة، فلابد من أن يكون في مقابلها من الثواب ما يقابله؛ بل لا يكفي هذا القدر حتى يبلغ في الكثرة حداً لا يجوز الابتداء بمثله، ولا التفضل به... وإنما قلنا: إن هذا هكذا؛ لأنه لو لم يكن في مقابلة هذه الأفعال الشاقة ما ذكرناه، كان يكون القديم تعالى ظالماً!! (٣)

* والرد عليه:

أن التكليف تصرف في عبيده ومماليكه، والمالك إذا لم يعط


(١) وانظر مفتاح دار السعادة (٢/ ٩٢) وشرح العقيدة الطحاوية (ص/٤٣٨)
(٢) ومما هو شائع في هذا الباب، لكنه صحيح المعنى ضعيف السند ما روى عن جابر - رضي الله عنه - مرفوعًا عن جبريل عليه السلام: "إنَّ عابدًا عَبَدَ الله -عز وجل- عَلَى رأس جبلٍ في البحر خمسمائة سنة، ثم سأل ربه أن يَقْبِضَه ساجدًا. فيبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله - عز وجل - فيقول الرب عز وجل:
أدخلوا عبدي الجنة برحمتي. فيقول العبد: بعملي يا رب، يفعل ذلك ثلاث مراتٍ.
ثم يقول الله - تعالى - للملائكة: قايسوا عبدي بنعمي عليه وبعمله، فيجدون نعمة البصر قد أحاطت بعبادته خمسمائة سنة، وبقيت نعم الجسد له.
فيقول: أدخلوا عبدي النار، فيُجر إِلَى النار فينادي برحمتك يا رب أدخلني الجنة، فيدخله الجنة.
أخرجه الحاكم في المستدرك (٤/ ٢٥١)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد؛ فإن سليمان بن هرم العابد من زهاد أهل الشام، وتعقبه الذهبي فقال: لا والله، وسليمان غير معتمد، تفرد عن ابن المنكدر عن جابر بحديث العابد والرمانة. قال الأزدي: لا يصح حديثه. وقال العقيلي: مجهول وحديثه غير محفوظ.
قلت: =
=وقد ضعَّف هذا الحديث ابن حجر في لسان الميزان (٤/ ١٨٠)، وانظر المغني في الضعفاء (١/ ٢٨٤) ورجال الحاكم في المستدرك (١/ ٤٠٨)
(٣) شرح الأصول الخمسة (ص/٦١٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>