وقد تناظر في هذه المسألة أبو عمرو بن العلاء وعمرو بن عبيد، فقال عمرو بن عبيد: يا أبا عمرو: لا يخلف الله وعده، وقد قال {ومن يقتل مؤمناً متعمداً} [النساء: ٩٣] الآية، فقال له أبو عمرو: ويحك يا عمرو، من العجمة أتيتَ، إن العرب لا تعد إخلاف الوعيد ذماً، بل جوداً وكرماً، أما سمعتَ قول الشاعر: " وَإِنِّي إِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ... لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي ". وانظرإكمال المعلم بفوائد مسلم (١/ ٣٨٧) ومدارج السالكين (١/ ٣٩٩) إشكال: قد احتج الخوارج بأن الله إذا كان يخلف الوعيد، فلما لا يجوز أن يخلفه في حق الكفار؟ * وجوابه أن يقال: إن الوعيد متحقق فى حق اهل الكفر لا محالة؛ لقوله تعالى (كل كذب الرسل فحق وعيد) وقوله جل وعلا... (إنه لا يبدل القول لدى وما انا بظلام للعبيد) ولكن هذا خاص بالكافرين فهناك نصوص وردت أن الله يغفر كل شئ إلا الشرك (إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وما دون ذلك تشتمل على ذنوب كثيرة ورد فيها وعيد، ومع ذلك فإن الله -تعالى -يغفرها. فهذا إخلاف للوعيد لا شك وهو المناسب لقوله جل وعلا (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) ومن دلائل إخلاف الوعيد في حق أهل التوحيد: أحاديث الشفاعة، وحديث الرجل الذى حز يده فمات، فغفر الله له، ففيه دلالة على تحقق إخلاف الوعيد لمن مات على التوحيد. والله أعلى و أعلم. (٢) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (١/ ٣١٠) التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٢٢/ ٢٤٧)