للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالأول لا يكون إلا بتوافر الشروط، والثانى لا يكون إلا بانتفاء الموانع. (١)

ففي هذا الحديث قد أتى المرء بشروط الصلاة، فقُبلت منه، وبرئت بها الذِّمّة، وسقط بها الطلب يومَ القيامة، فلا يطالَب بها يوم القيامة مطالَبةَ مَن تركَ الصلاة (٢)، لكن -مع استيفائه للشروط- قد قام المانع من تحقق الثواب عليها، ألا وهو سؤاله للعرَّاف.

** قال النووي:

"وأما عدم قبول صلاته فمعناه أنه لا ثواب له فيها، وإن كانت مُجْزئة في سقوط الفرض عنه، ولا يحتاج معها إلى إعادة، فالواجبات إذا أُتِيَ بها على وجهها الكامل ترتب عليها شيئان: سقوط الفرض عنه، وحصول الثواب؛ ولا بد من هذا التأويل في هذا الحديث، فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى العرَّاف إعادةُ صلواتِ أربعينَ ليلةً؛ فوجبَ تأويله، والله أعلم". (٣)

قال ابن القيم:

وصلاة من أتى عرافاً فصدَّقه فإن البعض قد حقق أن صلاته لا تقبل، ومع هذا فلا يؤمر؛ لأن عدم قبول صلاته إنما هو في حصول الثواب، لا في


(١) فائدة:
ما ورد في العبادات من نفي القَبول هل يلزم منه نفيُ الصحة؟ للعلماء فيه قولان: الأول- أن القبول والصحة متلازمان؛ وعليه فإنه إذا نُفي أحدهما انتفى الآخر. الثاني- أن القبول والصحة مختلفان؛ وعليه فإنّ القبول أخصُّ من الصحة، إذ كل مقبول صحيح، وليس كل صحيح مقبولاً، فيكون القبول هو الثواب؛ ومثاله: قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من أتى عرافاً لم تُقبل له صلاة».
والصحيح في ذلك التفصيل: قَدْ يأتَي نَفْيُ الْقَبُول فِي الشَّرْعِ تَارَةً بِمَعْنَى نَفْيِ الصِّحَّةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ)، فنفي قبول صلاة المُحْدِث -مثلاً- ليس كنفي قبول صلاة مَن أتى عرّافاً؛ فالأول هو نفي للصحة، ولازمُ ذلك هو: نفْي القبول، وأما الثاني فهو نفي لقبول العمل، أي: لثوابه المترتب عليه.
- ويمكن للتفريق بينهما أن يقال: إن المانع إذا كان متعلقاً بذات الفعل -كالحدث مع الصلاة- عادَ نفي القبول على نفي الصحة، وأما إذا عاد المانع لأمرٍ خارجٍ - كصلاة مَن أتى العرافَ- عادَ نفيُ القبول على نفي الثواب دُونَ الإجزاء.
(٢) وإنما قلنا ذلك لئلا يقول قائل: إذا كان لا أجر له، فلمَ تُطالِبونه بأداء الصلاة في الأربعين يوماً؟؟!!
نقول: بل لا بد من فعلها؛ ليَسقُطَ بها الطلب بين يدي الله تعالى.
(٣) شرح النووي على مسلم بتصرُّفٍ يسير (٧/ ٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>