للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جزئيّاً في حدود ما أطلعَه الله - تعالى- عليه.

فالله يوحي إلى الرسل ما يشاء، كما أوحى إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم- أشياء كثيرة من أمر الآخرة وأمر القيامة وأمر الجنة والنار، وما يكون في آخر الزمان من الدجال ونزول المسيح، وهدم الكعبة، ويأجوج ومأجوج، وغير ذلك مما يكون في آخر الزمان، كل هذا من علم الغيب أوحى الله إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فعلمنا إياه وصار معلوماً للناس، وهكذا ما يعلمه الناس من أمور الغيب عند وقوعه.

** وفي قصة موت سليمان -عليه السلام- قال -تعالى-: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: ١٤]. (١)

قال قَتادةُ: "... لو كان أحدٌ يَعلم الغيب لَعَلِمَ الجنُّ حيثُ مات سليمان -عليه السلام- فلَبِثَتْ تَعملُ حَوْلاً في أشدِّ العذاب، وهم لا يشعرون بموته، وما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، فلما خَرَّ تبيَّنتِ الجنُّ أنْ لو كانت تعلم الغيبَ ما لَبِثوا في العذاب المُهين، وكانت الجن تقول مثل ذلك، أنها كانت تعلم الغيب، تعلم ما في غدٍ؛ فابتلاهم الله بذلك". (٢)

* ومن خلال ما سبق مِن ذِكر أقسام الغيب، يكون حُكم من ادَّعى علم الغيب


(١) قال العلامة الآلوسي: "وفي الآية دليل على أن الغيب لا يختص بالأمور المستقبَلة، بل يشمل الأمور الواقعة التي هي غائبة عن الشخص أيضا" [روح المعاني] (٢٢٩/ ١١).
** ومن القصص التي تتعلق بمسألة الغيب النسبي: ما وقع مع بعض الصالحين، لما دخل على بعض الأمراء وعنده عرّاف يقول للناس:
خذوا ما شئتم من الحصى في أيديكم وأنا أعرف كم، فيأخذ الناس الحصى ويخبئونه عن ذلك الرجل، فيَعُدّونه، ثم يقول ذلك العرافُ: في يدك كذا من الحصى عدد كذا، ويكون كلامه صحيحاً، فلما جاء ذلك الرجلُ الصالح قال: أنا أتحداه أن يعرف ما في يدي، فأخذ قبضة من الحصى، فلم يَعُدَّها، قال: كم بِيَدي؟
قال: كذا، فعَدَّها، فإذا هي بخلاف ما قال العرافُ. فقالوا له: كيف فعلتَ؟! قال: أنتم عددتم لَمّا قبضتم الحصى، فَعَدَّ معكم القَرينُ فأَخبرَه، وأنا لم أَعُدَّ، فلم يَعُدَّ معي القَرينُ، فلم يستطع أن يعرف!
(٢) تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (١٦٥٣٦)، وانظر الشرك في القديم والحديث (ص/٤٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>