للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأثنى على جهادهم وبذلهم في سبيل الله تعالى، فكيف يكون هذا من الله -تعالى- لقوم ارتدوا جميعاً إلا ستة فقط؟!

وتأمل في قوله تعالى {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}

(الفتح: ١٨)

قال ابن حجر الهيتمي:

فصرح تعالى برضاه عن أولئك وهم ألف ونحو أربعمائة، ومن رضي الله عنه تعالى لا يمكن موته على الكفر؛ لأن العبرة بالوفاة على الإسلام، فلا يقع الرضا منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام، وأما من علم موته على الكفر فلا يمكن أن يخبر الله - تعالى - بأنه رضي عنه. (١)

وفيهم قد قال النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:

«لَا يَدْخُلُ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللهُ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا». (٢) فكيف يرضى الله -عز وجل- عن أصحاب البيعة، وقد قيل أنهم كانوا خمس عشرة مائة، ويحمدهم ويضرب لهم مثلاً في التوراة والإنجيل، وهو يعلم أنهم يرتدون على أعقابهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

كتاب الله نوعان: خبر وأمر:

أما الخبر فلا يجوز أن يتناقض، ولكن قد يفسر أحد الخبرين الآخر ويبيِّن معناه.

وأما الأمر فيدخله النسخ، ولا ينسخ ما أنزل الله-تعالى- إلا بما أنزل الله تعالى، فمن أراد أن ينسخ شرع الله - تعالى - الذي أنزله برأيه وهواه كان ملحداً، وكذلك من دفع خبر الله -تعالى- برأيه ونظره كان ملحداً. (٣)

والأبين من ذلك ما ورد في قوله تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ...) (الفتح: ٢٩)

فقوله عزوجل (وَالَّذِينَ مَعَهُ..) هذه من صيغ الجمع، فكيف يقال بردة جمهور الصحابة -رضى الله عنهم- إلا خمسة منهم؟!


(١) الصواعق المحرقة (ص/٥٧٠)
(٢) أخرجه مسلم (٢٤٩٦)
(٣) درء تعارض العقل والنقل (٥/ ١٠٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>