للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن حزم:

فمن أخبرنا الله -عز وجل- أنه علم ما في قلوبهم رضي الله عنهم، وأنزل السكينة عليهم فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم ولا الشك فيهم البتة، ثم نقطع على أن كل من صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنية صادقة - ولو ساعة - فإنه من أهل الجنة؛ وَذَلِكَ لقَوْل الله عز وَجل (وكلاً وَعدَ اللهُ الْحسنى). (١)

*فإذا حَرُمَ التوقف في أمرهم والشك فيهم البته، فكيف بمن يقع في أعراضهم، بل ويجزم لهم بالردة عن دين الإسلام؟!

٢ - الوجه الثاني:

قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٠)) (الحشر: ١٠)

فإن الله -عزوجل- قد أمرالتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين أن يستغفروا للصحابة رضى الله عنهم، وهذا ما فهمه الصحابة - رضى الله عنهم- من هذه الأية:

قَالَ ابنُ عباس -رضي الله عنهما-:

لَا تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنَّ اللَّهَ - تعالى- قَدْ أَمَرَ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ سَيَقْتَتِلُون. (٢)

وقالت عائشةُ رضى الله عنها:

«أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَبُّوهُمْ» (٣)،

فالأمر بالاستغفار الذي أشاروا إليه هو ما ورد في قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}

وهنا وجه الدلالة:

فقد أمر الله -تعالى- كل من جاء بعد الصحابة -رضى الله عنهم- أن يستغفروا لهم، فكيف يكون ذلك مع قوم يزعم الرافضة أنهم قد ارتدوا إلا قليلاً منهم؟!!

ولا يتردد من له أدنى علم في أن الشيعة الرافضة لم يترحموا على الصحابة -رضى الله عنهم- ولم


(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل (٣/ ٧٢)
(٢) رواه الآجري في "الشريعة" (١٩٧٩)، واللالكائي في "أصول الاعتقاد" (٢٣٣٩). وصححه شيخ الإسلام فى "منهاج السنة النبوية" (٢/ ١١)
(٣) أخرجه مسلم (٣٠٢٢)
قال القاضي عياض:
والظاهرأن عائشة -رضى الله عنها- قالت هذا عندما سمعت أهل مصر يقولون في عثمان ما قالوا، وأهل الشام في علي بن أبي طالب ما قالوا، والحرورية في جميع الصحابة ما قالوا. وانظر إكمال المعلم بفوائد مسلم (٨/ ٥٧٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>