(ومنها) حيات عظيمة تخرج إلى البر، وربما تبلغ الجاموس والفيل، وتنطوي على صخرة أو شجرة فتكسر عظامها في بطنها، فيسمع لكسر العظام صوت، وفي هذا البحر مغاص الدردور، فإذا وقعت السفينة دارت فيه ولم تكد تخرج، والملاحون يعرفون مكانه ويجتنبون عنه.
حكى بعض التجار قال: ركبت هذا البحر في جمع من التجار فجاءتنا ريح عاصف صرفت المركب عن طريق المقصد، وكان معلم المركب شيخا حاذقا إلا أنه كان أعمى، وكان يستصحب معه في السفينة شيئا كثيرا من الحبال، وأصحابه ينكرون عليه ويقولون: لو حملنا مكان الحبال أحمال التجارة لأصبنا خيرا، فلما أصابتنا الريح العاصف كان المعلم يقول لأصحابه: انظروا ماذا ترون؟ وهم يخبرونه بالحال، إلى أن قالوا: نرى طيرا أسود على وجه الماء، فجعل يدعو بالويل والثبور ويضرب على رأسه، ويقول: هلكنا والله، فسألناه عن سبب ذلك، فقال: سترون ما يغنيكم عن إخباري.
فما كان إلا يسير حتى وقعنا في الدردور والذي حسبناه طيرا أسود كانت مراكب فيها أناس موتى، فبقينا حيارى، وانقطع رجاؤنا عن الحياة، وانتظرنا الموت، فلما شاهد المعلم منا ذلك قال:
يا قوم، هل لكم أن تجعلوا لي شطر أموالكم على إخراجي إياكم من هذه الغمرة؟ فقلنا: رضيا بذلك، فأمر بأخذ قنينتين مملوءتين من الدهن فأدليتا في البحر، فاجتمع عليها من السمك ما لا يحصى، ثم أمر بتشريح الموتى الذين كانوا في المراكب وشدها في الحبال التي كانت معه، ورموها في البحر؛ فأكلها السمك، ثم أمر القوم بضرب الدف والأخشاب والصياح والتصفيق فإذا المركب تحرك عن مكانه وجرى فلم يزل يفعل ذلك حتى خرجنا من الدردور، ثم أمر بقطع الحبال فنجونا سالمين بإذن الله تعالى.
(بحر الهند) هو أكبر البحار وأوسعها وأكثرها خيرا، ولا يعلم أحد بكيفية اتصاله بالبحر المحيط؛ لعظم اتصال الموضع وسعته، وليس كالبحر الغربي، فإن انفصال البحر الغربي عن المحيط ظاهر، ويتشعب من الهند خلجان، وأعظمها بحر فارس والقلزم، فالآخذ منه نحو الشمال بحر فارس، والآخذ منه نحو الجنوب بحر الزنج.
قال ابن الفقيه: بحر الهند حاله مخالف لبحر فارس؛ لأن عند نزول الشمس الحوث وقربها من الاستواء الربيعي يبدأ بالظلمة وكثرة الأمواج؛ فلا يركبه أحد؛ لظلمته وصعوبته، ولا يزال كذلك إلى قرب الاستواء الخريفي وأشد ما تكون ظلمته وصعوبته عند نزول الشمس في الجوزاء، فإذا صارت الشمس إلى السنبلة تقل ظلمته وتنقص أمواجه ويلين ظهره؛ فيسهل ركوبه