للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[النوع الثالث: القلب]

وهو جسم صنوبري الشكل، لحمي الجوهر، له جوف يحوي الدم، والروح الحيواني ينشأ منه وينصب في الشرايين إلى سائر البدن، ولحمه قوي لئلا يتناثر من المؤذيات، وأعلاه غليظ لأنه منبت الشرايين، وأسفله مستدق ليبعد عن عظام الصدر من جهاته، وله غلاف يسمى الشغاف، خلق لوقايته؛ لأنه منبع الروح الحيواني ولهذا وضع في وسط البدن في موضع حصين مثل نتوء من عظام الصدر والظهر والأضلاع، وجعل هذا الحصن متجافيا عنه ليفيد الوقاية من غير مماسة، ولما كان محتاجا إلى الدم أنضجه الكبد ورققه ولطفه وأسخنه ليفيد قوة الحياة جعل في القلب تجويف يرد إليه الدم من الكبد ويستقر فيه حتى يتغذى منه هو، ويغذي غيره، ولما كان القلب محتاجا إلى الغذاء كسائر الأعضاء، وجب أن يرد إليه الغذاء من الكبد، فخرج من جذبة الكبد عرق عظيم ودخل في تجويف القلب من الجانب الأيمن ليملأ ما يتغذى منه القلب، والباقي يسري في الشرايين إلى البدن، ولما كان القلب محتاجا إلى الإحساس بالمؤذي خلق له شعبة دقيقة متصلة بالغشاء الذي على القلب منشؤها من الدماغ لفائدتين: الأولى: للأحساس بالمؤذي بواسطة الغشاء، والأخرى: أن القلب معدن القوة الحيوانية وهذه القوة تنفعل بالأفعال النفسانية كالغضب والخوف والسرور، فهذه أفعال أسبابها أمور خارجة عن البدن، فالحواس تدركها وتؤديها إلى النفس فيصل آثارها إلى القلب فينفعل بالانفعالات التي تبتغي، فوجب أن يكون بين الدماغ والقلب اتصال، فجعل الشعبة الواصلة من الدماغ مثبوتة في جميع جرم القلب، لتتم الفوائد التي ذكرناها، والله أعلم.

[النوع الرابع: الكبد]

وهو جسم لحمي ألين من القلب وأرطب، يحمل روحا طبيعيا ودما غذائيا منه في العروق إلى سائر الأعضاء، وهو موضوع في الجانب الأيمن تحت الضلوع العالية من ضلوع الخلف، وشكله هلالي وتقعيره في الجانب الذي يلي المعدة، وحدبته تلي الحجاب وهو مربوط برباطات تتصل بالغشاء الذي عليه، وينبت من مقعره قناة تنقسم إلى أقسام منها ما يأتي قعر المعدة وإلى الأمعاء، وبهذه الفوهات تجذب الغذاء إلى الكبد، ويصير إلى الكبد ما ينضجه، وفي جذبة الكبد عروق تسمى الأوردة، يجري فيها الدم إلى سائر الأعضاء، وخلق جرم الكبد شبيها بالدم الجامد ليحيل الكيلوس فيه إلى شبه جوهرة.

<<  <   >  >>