على الفخذ كبر الأنف وبطل تجويفه وتشوهت صورة الإنسان، بل ينبغي أن يسوق إلى الأجفان مع دقتها وإلى الحدقة مع صفائها وإلى الفخذ مع غلظها وإلى العظام مع صلابتها ما يليق بكل واحد من حيث القدر والشكل وإلا بطلت الصورة، ولا بد من قوة أخرى تتصرف في أمور التناسل بأن يفصل من الغذاء جوهر النطفة لبقاء النوع فإن كل فرد من الأفراد ضروري الفناء ولا بد من قوة أخرى يصدر عنها تمريخات مختلفة بحسب كل عضو حتى يجعل من النطفة المتشابهة الأجزاء أعضاء مختلفة طويل وعريض ومستدير وزاوية ومجوف ومصمت ودقيق وغليظ وصلب ورخو، وهي أنقاص تنقش في ظلمة الأحشاء هذه الأشكال العجيبة الحدقة والأجفان والجبهة والخد والأنف والشفة والذقن، ولا يرى ذلك النقاش لا داخلا ولا خارجا ولا خبر للأم به ولا للأب، فسبحان من فتح عين أوليائه حتى شاهدوه في جميع ذات العالم.
[(الصف الثالث: القوى المدركة التي في الباطن)]
وهي خمس:
[(الأول: الحس المشترك)]
وهي القوة في مقدم الدماغ تدرك صورة المحسوسات على سبيل المشاهدة وذلك غير البصر ألا ترى القطرة النازلة خطّا مستقيما والنطفة الدائرة بسرعة خطّا مستديرا، وليس ذلك في البصر؛ لأن البصر لا يدرك إلا المقابل، والمقابل نطفة، وقطره الذي يدرك الخط، والدائرة قوة أخرى غير البصر فالصور الواردة على هذه القوة تارد تكون من خارج بواسطة الحواس وتارة تكون من داخل فإن القوة الثانية المتخيلة ربما ركبت صورة وأوردتها على الحس المشترك فتصير مشاهدة كالصور التي يدركها الحس المشترك وهي خزانته.
[(الثالثة) الوهم]
وهو قوة في وسط الدماغ التي تدرك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات كصداقة زيد وعداوة عمرو وهي التي تحكم في الشاة أن الولد معطوف عليه والذئب مهروب عنه.
[(الرابعة) الحافظة]
وهي القوة في مؤخر الدماغ تحفظ المعاني التي يؤدي إليها الوهم كأنها خزانته.
[(الخامسة) المفكرة]
وهي قوة في وسط الدماغ أيضا تتصرف في الصور الموجودة في الخيال والمعاني الحاصلة في الحافظة بالتفصيل والتركيب فإن كانت في طاعة العقل تسمى مفكرة وإن لم تكن تسمى متخيلة وهي التي تتخيل إنسانا عظيم الرأس أو إنسانا ذا رأسين.