كالملك وسائر الكواكب كالأعوان والجنود، فالقمر كالوزير وولي العهد، وعطارد كالكاتب، والمريخ كصاحب الجيش، والمشترى كالقاضي، وزحل كصاحب الخزائن، والزهرة كالخادم والجواري، والأفلاك كالأقاليم، والبروج كالبلدان، والحدود والوجوه كالمدن، والدرجات كالقرى، والدقائق كالمحال، والثواني كالمنازل، وهذا تشبيه جيد، ومن لطف الله تعالى جعلها في وسط الكواكب السبعة؛ لتبقى الطبائع والمطبوعات في هذا العالم بحركاتها على حدها الاعتدالي؛ إذ لو كانت في فلك الثوابت لفسدت الطبائع من شدة البرد، ولو انحدرت إلى فلك القمر لاحترق هذا العالم بالكلية، وخلقها سائرة غير واقفة وإلا لاشتدت السخونة في موضع والبرودة في موضع ولا يخفى فسادهما، بل تطلع كل يوم من المشرق، ولا تزال تمشي موضعا بعد موضع إلى أن تنتهي إلى المغرب، فلا يبقى موضع مكشوف مواز لها إلا ويأخذ موضع شعاعها، وتميل كل سنة مرة إلى الجنوب ومرة إلى الشمال؛ لتعم فائدتها، وأما جرمها فضعف جرم الأرض مائة وستّ وستون مرة، وقطر جرمها أحد وأربعون ألف وتسعمائة وثمانية وسبعون ميلا.
[فصل: في كسوفها]
وسببه كون القمر حائلا بين الشمس وبين أبصارنا؛ لأن جرم القمر كمد فيحجب ماوراءه عن الأبصار، فإذا قارن الشمس وكان في إحدى نقطتي الرأس والذنب أو قريبا منه فإنه يمر تحت الشمس فيصير حائلا بينها وبين الإبصار؛ لأن الخطوط الموهومة الشعاعية التي تخرج من أبصارنا متصلة بالبصر على هيئة مخروط رأسه نقطة البصر وقاعدته المبصر، فإذا حال بيننا وبين الشمس يتحصل مخروط الشعاع أولا بالقمر، فإن لم يكن للقمر عرض عن فلك البروج وقع جرم القمر في وسط المخروط عن الشمس بمقدار ما يوجب العرض فينكسف بعضها، وذلك إذا كان العرض أقل من مجموع نصف القطرين، فإذا كان يماس جرم القطر مخروط الشعاع لا تنكسف الشمس، ثم إذا انكسفت الشمس لا يكون لكسفوها مكث؛ لأن قاعدة مخروط الشعاع إذا انطبق على صفحة القمر انحرف عنه في الحال فتبتدئ الشمس بالانجلاء ولكن يختلف قدر الكسوفات باختلاف أوضاع المساكن بسبب اختلاف المنظر، وقد لا تنكسف في بعض البلاد أصلا.