للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ومنها نار الحرتين) كانت ببلاد عبس فإذا كان الليل تسطع من السماء، وكانت بنو طيئ تنفش بها إبلها من مسير ثلث وربما بدر منها عبق، (١) فيأتي كل شيء بقربها فتحرقه، وإذا كان النهار كانت دخانا، فبعث الله تعالى خالد ابن سنان العبسي - وهو أول نبي من بني إسماعيل - فاحتفر لها بئرا وأدخلها، والناس ينظرون حتى غيبها وقصتها مشهورة.

[فصل: في الشهب وانقضاض الكواكب]

زعموا أن الدخان إذا صعد الهواء ولم تصبه برودة حتى يصل إلى الطبقة النارية، فإن لم تنقطع مادته عن الأرض وكان في الدخان دهنية تشتعل النار فيه، ويصير كله نارا، ويرجع إلى مادة الدخان، مثاله: أن السراج إذا طفئ وجعل تحت شعلته سراج آخر، فإذا وصل دخان المنطفئ إلى الشعلة ترجع النار عن الشعلة وتوقد السراج المنطفئ، وأما إذا كانت مادته لطيفة تأخذها النار وتصير نارا صرفا، وقد ذكرنا أن النار الصرف لا ترى وإن كانت المادة كثيفة، فإذا أخذت النار فيها تبقى زمانا، فترى منها أشكالا بحسب مادة الدخان وهيئتها، فربما ترى كوكبا ذا زاوية على شكل تنين (٢) أو على شكل حيوان ذي قرنين، أو على شكل أعمدة مخروطة، وربما يرى على شكل كرة تتدحرج على شكل الفلك، وربما كانت المادة الدخانية كثيرة، فإذا أخذت النار فيها اشتعلت اشتعالا عظيما حتى أضاء الهواء منها، واستنار وجه الأرض منها، والله الموفق للصواب.

[خاتمة]

من الحكماء من شبه تعلق النفس الإنسانية ببدنه إذا صار مستعدّا لقبول النفس بتعلق النار بالفتيلة إذا صارت مستعدة لذلك، وكما أن إبطال هذا التعلق سهل بنفخة أو غيره، فكذلك


(١) العبق: الريح الطيبة قال: عبق به الطيب عبقا أي: ظهر ريحه بثوبه أو ببدنه، وعبق رائحة الطيب أي: ذكاها.
(٢) التنين نوع من الحيات كأكبر ما يكون منها وهو أيضا نوع من السمك، وهو يكون ملازم لقعر البحر دائما خوفا من السحاب. قال أبو عمرو عثمان بن بحر الجاحظ: وهل سمعت ما يتحدث به عن التنين والسحاب، فإنه يقال: إن السحاب كالموكل به يختطفه حيث ما يقفه كما تخطف حجر المغناطيس الحديد، حتى صار لا يطلع رأسه من بطن الأرض خوفا من السحاب، ولا يخرج في الفرط إلا مرة إذا أضحت السماء فلم يكن فيها نكتة من غيم فلم وكل السحاب بالتنين يرصده ويخطفه إذا وجده إلا ليدفع عن الناس ضره، فإن قلت: ولما خلق التنين أصلا؟ قلنا: للتخويف وللترهيب وللنكال في موضع ذلك فهو كالسوط المعلق يخوف به أهل الريب أحيانا للتأديب والموعظة. انظر الدلائل والاعتبار (٣٣).

<<  <   >  >>