للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجمد الماء ويظلم الجو ويهلك الحيوان والنبات، وذكروا أن أكثر ما تكون كرة النسيم ستة عشر ألف ذراع ارتفاعا، وأقله ما يطابق سطح الأرض، فإن أعلى جبل يوجد على وجه الأرض لا يبلغ ارتفاعه هذا المبلغ، ولا تمنع حرارة الجو هناك من انعقاد الغيم فإن المانع من انعقاد الغيم في الهواء حرارة الجو، وأما سطح كرة النسيم فإنه متداخل في عمق الأرض إلى نهاية ما ثم يقف، فإن النازلين إلى أسفل لطلب المعادن إذا احتاجوا إلى النسيم نفخوا بالمنافخ والأنابيب ليستنشقوا النسيم ويضيء سراجهم، فإن النسيم متى انقطع عنهم انطفأ سراجهم واختنقوا.

ولا يعيش الحيوان دون البرية إلا في موضع يوجد به النسيم، وللهواء تغيرات عجيبة واستحالات من النور والظلمة والحر والبرد وقد سبق القول فيه، وأما ما يحدث من كثرة الأبخرة والأدخنة واختلاف الرياح والزوابع والهالة وقوس قزح والغيوم والرعود والبروق والصواعق والأمطار والضباب والطل والصقيع والثلوج والشهب وذوات الأذناب فإن بعضها يقع في كرة الأثير وقد ذكرناه، ومنها ما يقع في كرة الزمهرير وكرة النسيم فلنذكر الآن ذلك، والله الموفق للصواب.

٤١ فصل: في السحاب والمطر (١) وما يتعلق بهما

زعموا أن الشمس إذا أشرقت على الماء والأرض حللت من الماء أجزاء لطيفة مائية تسمى بخارا، ومن الأرض أجزاء لطيفة أرضية تسمى دخانا، فإذا ارتفع البخار والدخان في الهواء وتدافعهما الهواء إلى الجهات ومن فوقهما برد الزمهرير ومن أسلفهما مادة البخار غلظا في الهواء وتداخلت أجزاء بعضها في بعض، فيكون منهما سحاب مؤلف متراكم، ثم إن السحاب كلما ارتفع انضمت أجزاء البخار بعضها إلى بعض حتى يصير ما كان منهما دخانا ركاما وما كان بخارا ماء، ثم تلتئم تلك الأجزاء المائية بعضه إلى بعض فتصير قطرا ثم تأخذ راجعة إلى أسفل فإن كان صعود ذلك البخار بالليل والهواء شديد البرد منعه من الصعود وأجمده أولا فصار


(١) فكر في نزول المطر على الأرض والتدبير فيه فإنه جعل ينحدر عليها من أعلى ليغشى ما غلظ منها وارتفع فيرويه، ولو كان إنما يأتيها من بعض نواحيها لما علا المواضع المشرفة منها، ولقل ما يزرع من في الأرض، ألا ترى الذي يزرع سيما أقل من ذلك، والأمطار هي التي تطبق الأرض وبها نزرع هذه البراري الواسعة وسفوح الجبال وزراها فتغل الغلة الكثيرة ووبها يسقط على الناس في كثير من البلاد مؤنة بسياق الماء من موضع إلى موضع وما يجري بينهم في ذلك من التشاح والتظالم، حتى تستأثر بالماء ذو العزة والقوة ويحرمه الضعفاء. انظر الدلائل والاعتبار (١٨).

<<  <   >  >>