وقد شرط على القسيسين ضيافة من زار المسجد من المسلمين، فإذا قدم زائر أدخل الغراب رأسه في روزنة على تلك القبة ويصيح، وإذا قدم اثنان صاح صيحتين، وهكذا كلما وصل زائر أو زوار صاح على عددهم (١)؛ فيخرج الرهبان بطعام يكفي الزائرين، وتعرف الكنيسة بكنيسة الغراب، وزعم القسيسون أنهم ما زالوا يرون غرابا على تلك الكنيسة، ولا يدرون من أين مأكله.
(ومنها جزيرة مالطة) قال أبو حامد الأندلسي: رأيت في بحر الروم هذه الجزيرة مملوءة من الغنم الجبلية مثل الجراد المنتشر، لا يمكنها الفرار من الناس لكثرتها، فإذا وصلت المراكب إليها أخذت منها ما شاء الله، وهي أغنام سمان كبار نعاج وحملان، وليس فيها غير الغنم، وفيها أشجار وعشب كثير، وهي على طريق الإسكندرية في البحر، تقصدها السفن من كل جانب، وظني أنه لو حملت كل سفينة في ذلك البحر منها لا تفنى الغنم.
(ومنها جزيرة الدير) ذكر البحريون: أنها بقرب القسطنطينية، وهي دير ينكشف عنه الماء في كل سنة يوما واحدا، يحجها أهل تلك النواحي وينتظرون ذلك اليوم ويزورون الدير ويحملون إليها الهدايا، حتى إذا كان ذلك اليوم ينكشف عنه الماء فيبقى ظاهرا إلى وقت العصر، ثم يأخذ الماء في الازدياد ويغطيها إلى العام القابل، والله الموفق.
[فصل: في الحيوانات العجيبة في هذا البحر]
حكى عبد الرحمن بن هارون المغربي قال: ركبت هذا الحر فوصلنا إلى موضع يقال له:
البطرون، وكان معنا غلام صقلي معه صنارة فألقاها في البحر؛ فصاد بها سمكة نحو البشر، فنظرنا فإذا خلف أذنها اليمنى مكتوب لا إله إلا الله، وفي قفاها محمد، وخلف أذنها اليسرى رسول الله.
(ومنها) ما حكى أبو حامد قال: رأيت ملاحا غاص في بحر الروم، فانكشف عن سنام جبل، وعليه نارنج أحمر كأنه قطف الآن من شجرة، فظننت أنها سقطت من بعض السفن، فقبضت على واحدة منها؛ فإذا هي حيوان التصق بالحجر لم أقدر على قلعه، فرمت قطعة بالسكين؛ فلم تعمل فيه السكين، وليس له عين ولا رأس، وفمه في موضع العرجون، فكنت ألف الثوب عليه وأجره بقوتي فيخرج من فمه مائية كاللعاب، وهو لين محبب شديد الحمرة، لا يغادر من النارنج شيئا، فإذا تركته كان يفتح فاه ويتحرك كأنه يتنفس.