للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدماغ نبتا يصير النابت منهما يسارا، ونبتا يصير النابت منهما يمينا، ثم يلتقيان على مقاطع صلبي، ثم ينفذ النابت يمينا إلى الحدقة اليمنى والنابت يسارا إلى الحدقة اليسرى، ولوقوع هذا التقاطع منافع، منها: أن الروح السائل إلى أحد الحدقتين لا يكون محجوبا عن الأخرى وإذا عرضت لإحداهما آفة صار الروح الناظر من الطريقين إلى العين السليمة، ولذلك ترى إحدى الحدقتين أقوى إبصارا إذا غمضت الأخرى لقوة اندفاع الروح الباصر إليها. وأما منافع الطبقات والرطوبات فكثيرة والحاجة إليها للطبيب ليس كتابنا بصدده، وأما الجفن فمنشؤه من الجلد الذي هو خارج القحف والرأس، وفيه ثلاث عضلات تأتي اثنتان من جهة الموقين، يجذبان الجفن إلى أسفل جذبا متشابها، وأما فتح الجفن فيكفيه عضلة واحدة تأتي من وسط الجفن فينبسط طرف وتراها على طرف الجفن، فإذا نشجت فتحت العين، وأما الجفن الأسفل فإنه لا عضلة فيه وجعل الأسفل أصغر من الأعلى لأن الأعلى يستر الحدقة مرة ويكشفها أخرى بتحركه، وأما الأسفل فإنه غير متحرك، فلو زيد على هذا القدر لستر شيئا من الحدقة دائما ولكن بفضول العين تجتمع فيه ولا يسيل، وأما منفعته فليمنع نكاده ما يلاقي الحدقة من خارج، ويمنع عند إطباقها وصول الغبار والدخان والشعاع ويصقل الحدقة دائما، ويبعد عنها ما أصابها من الهباء والقذي، وأما الأهداب فإنها بمنزلة السياج حول العين يمنع عن الحدقة بعض الأشياء التي لا يمنعها الجفن مع انفتاح العين (١) كما ترى عند هبوب الريح الذي يأتي بالقذي تفتح أدنى فتح وتتصل الأهداب الفوقانية بالسفلانية، فيحصل منها شبه شباك لينظر من ورائها، فتحصل الرؤية مع اندفاع القذي، والله أعلم.

[فصل: في الآذان]

ولما كانت القوة السامعة لا تفيد السمع إلا بواسطة قرع الصوت الهواء ووصول ذلك الهواء إلى الدماغ، فاقتضت الحكمة الإلهية مجرى السمع في عظم صلب ذي عطفات وتعاريج كثيرة إلى أن ينتهي إلى عصبتين ناشئتين من الدماغ، وذلك العصب لو كان بارزا لأضر به الهواء البارد، فيخرج من حد الاعتدال بملاقاة أدنى برودة؛ لأن طبعه بارد فجعل كامنا في الدماغ لهذا المعنى، وقد جعل مجراه مفتوحا أبدا ليصل إليه الهواء المقروع دائما فيسمع ما يشاء وما لم يشأ، ولما كان في فتحه سعه وكان متعرضا لآفات البرد والغبار ومصادمة الهواء المقروع بعنف كالرعد والصيحة العظيمة، جعل مجراه بذا عطاف وتعاريج على هيئة اللولب لئلا يصل الهواء إلى السمع


(١) فالله ﷿ يحمي العين ويحافظ عليها من الأتربة والأوساخ وذلك لأهميتها وحساسيتها.

<<  <   >  >>