للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ومنها) ما ذكر أن مردك ادعى النبوة في زمن قيار ملك الفرس وجعل الأموال والأبضاع مشتركة بين الناس فتبعه خلق كثير لا يحصى ولا يعد، فاحتال ابن كسرى الخير وقتل مردك وأصحابه اثنى عشر ألفا في يوم واحد، وهرب منهم كثيرون واختلفوا في البلاد فإذا مات منهم ميت دفنوه وقعدوا مترصدين أول ليلة من دفنه، فيأتيهم إبليس لعنه الله على صورة الميت يقول:

جئتكم لأودعكم اعلموا أن دين مردك حق حتى لو مات أحدهم فجأة وكان عنده وديعة، قالوا اصبر فإنه يأتينا للوداع فنستخبره عن الوديعة.

[فصل في ذكر بعض المتشيطنة]

وأشهرها الغول، زعموا أن الغول حيوان شاذ مشوه لم تحكمه الطبيعة، وأنه لما خرج مفردا لم يستأنس وتوحش وطلب القفار وهو يناسب الإنسان والبهيمة وأنه يتراءى لمن يسافر وحده في الليالي وأوقات الخلوات فيتوهمون أنه إنسان فيصد المسافر عن الطريق. وقال بعضهم: إن الشياطين إذا أرادوا استراق السمع تصيبهم الشهب فمنهم من احترق ومنهم من وقع في البحر فصار تمساحا، ومنهم من وقع في البر فصار غولا. قال الجاحظ: الغول كل شيء من الجن يتعرض للفساد ويكون في ضروب الصور والثياب قال كعب بن زهير:

فما تدوم على حال تكون بها … كما تلون في أثوابها الغول

وذكر جماعة من الصحابة أنهم رأوا الغول في أسفارهم منهم عمر بن الخطاب رأى الغول في سفره إلى الشام قبل الإسلام، فضربه بالسيف وذكر ثابت بن جابر الفهمي رحمة الله عليه أنه لقي الغول وجرى بينها ما ذكر فقال الشاعر المعروف بتأبط شرّا الفهمي في ذلك.

ألا من مبلغ فتيان فهم … بما لاقيت عند رحا بطان

فإني لقد لقيت الغول تهوى … بشهب كالصحيفة صحصحان

فقلت له كلانا نضو دهر … أخا سفر فخلى لي مكاني

فشدت شدة نحوي فأهوى … لها كفي بمصقول (١) يماني

فأضربها بلا دهش فخرت … صريعا لليدين وللحران


(١) أي: بسيف حاد.

<<  <   >  >>