ثم إن تلك الأجزاء يتراكم بعضها على بعض بواسطة قوى خلقها الله تعالى فيها حتى يصير الحب بالغا ذا عروق وقضبان وأوراق وأزهار، والحب والنوى شجرا عظيما ذا عرق وساق وأوراق وثمر، فسبحانه ما أعظم شأنه وأوضح برهانه! والنبات قسمان: شجر ونجم، والله تعالى الموفق للصواب.
[القسم الأول: في الشجر]
وهو كل ما له ساق من النبات والأشجار العظام بمثابة الحيوانات العظام، والنجوم بمثابة الحيوانات الصغار، والأشجار العظام لا ثمر لها كما ترى في الساج والدلب والعرعر؛ لأن المادة كلها صرفت إلى نفس الشجر، ولا كذلك الأشجار المثمرة فإن مادتها صرفت إلى الشجرة والثمرة، ويشبه حالها حال الذكور والإناث من الحيوان.
فإن الذكر أعظم بدنا من الإناث؛ لأن بعض مواد الإناث تصرف إلى الأجنة، ومن عجيب صنع الباري خلق الأوراق على الأشجار زينة لها ووقاية لثمرها من نكاية الشمس والهواء، ثم إنه تعالى خلقها مرتفعة عن الثمار متفرقة بعض التفرق لا متكاثفة عليها ولا بعيدة عنها؛ لتأخذ الثمار من النسيم تارة، ومن الشمس أخرى، فلو تكاثفت عليها حتى منعتها إصابة النسيم وشعاع الشمس لبقيت على فجاجتها غليظة الجلد قليلة المائية.
وإذا سقط منها بعض الورق أصابتها الشمس وأحرقتها، كما ترى في الرمانة التي احترق منها إحدى الجوانب، ثم إذا فرغت الثمرة تناثرت الأوراق حتى لا تجذب مائية الشجر فتضعف قوتها، كما ترى في الحيوان، فإن الأم تضعف من إرضاع أولادها، وأعجب ما فيها ما ذكره الله تعالى: ﴿يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ [الرعد: ٤] ولنذكر بعض ما يتعلق بواحد واحد من الأشجار مرتبا على حروف المعجم إن شاء الله تعالى.
(أبنوس) شجر كقطعة حجر على رأسه نبت أخضر، وخشبه صلب جدّا، لا يقف على الماء، بل يرسب، وهو أشبه خشب بالحجر، قال الشيخ الرئيس: إذا وضعته على الجمر فاحت منه رائحة طيبة، ويجلو الغشاوة والبياض إذا حل بماء واكتحل به، وإذا أحرقت نشارته على طابق، ثم غسلت واكتحل به ينفع من الرمد اليابس وجرب العين، وقال غيره: ينفع من حرق النار ويحل النار ويحل نفخ البطن، والله الموفق.