[(الثالثة: قوة تحصل بها العلوم المستفادة من التجارب بمجاري الأحوال)]
فمن اتصف بها يقال له عاقل في العادة ومن خلا عنها يقال له غبي وهي معان مجتمعة في الذهن فيستنبط بها مصالح الأغراض.
[(الرابعة) قوة يعرف بها حقائق الأمور]
مباديها ومقاطعها حتى يقمع الشهوة العاجلة للذة الآجلة ويحتمل المكروه العاجل لسلامة الآجل فيسمى صاحبها عاقلا من حيث إن إقدامه وإحجامه بحسب ما يقتضيه النظر في العواقب لا بحكم الشهوة العاجلة، والأولان مجبولان والأخيران مكتسبان، وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:
رأيت العقل عقلين … فمطبوع ومسموع
فلا ينفع مسموع … إذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع الشمس … وضوء العين ممنوع
[فصل: في تفاوت الناس في العقل]
اختلف الناس فيه والحق أن التفاوت يتطرق إلى القسم الأول والثالث والرابع، أما الثاني فهو العلم بوجوب الضروريات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات فإنه غير قابل للتفاوت.
[(أما القسم الأول) هو الغريزة]
فالتفاوت فيه لا سبيل إلى جحده فإنه مثل نور يشرق على النفس، ومبادئ إشراقه عند سن التمييز ثم لا يزال ينمو إلى تمام الأربعين، وقد شاهدنا الناس في ذلك مختلفين في فهم العلوم وانقسامهم إلى ذكي وبليد، ومغفل ويقظ وقد روي عن رسول الله ﷺ في حديث طويل آخره قال الله تعالى:«إني خلقت العقل من أصناف شتى كعدد الرمل فمن الناس من أعطي حبة ومنهم من أعطي حبتين ومنهم الثلاث والأربع ومنهم من أعطي فرقا ومنهم من أعطي وسقا ومنهم من أعطي أكثر من ذلك».
(ومن الحكايات) العجيبة ما يحكى أن بعض الأطباء دخل على مريض وجس نبضه، وشاهد تعسره فقال له لعلك تناولت شيئا من الفواكه؟ قال المريض: نعم، قال الطبيب: لا ترجع تأكل فإنها تضرك. ثم دخل عليه في اليوم الثاني ورأى النبض والتفسرة فقال: لعلك أكلت لحم فروج؟ قال المريض: نعم، قال الطبيب: لا ترجع تأكله فإنه يضر. فتعجب الناس من حذق الطبيب وكان للطبيب ابن فقال له: يا أبت كيف عرفت تناوله الفاكهة والفروج؟ قال: يا بني ما