(بحر الصين) هو متصل بالبحر المحيط، حده من المشرق إلى القلزم ومنه إلى المغرب، وليس على الأرض بحر أكبر منه إلا المحيط، ويقال له: بحر الهركند، وهو كثير الموج عظيم الإضراب بعيد العمق.
قال البحريون: جميع المد والجزر في بحر الهركند وما يتصل به كما في بحر فارس، وكيفيته أن القمر إذا بلغ مشرق البحر ابتدأ بالمد، ولا يزال كذلك إلى أن يبلغ القمر وسط سماء ذلك الموضع، فعند ذلك ينتهي المد منتهاه، فإذا انحط القمر عن وسط سمائه خرس الماء ورجع، ولا يزال كذلك إلى أن يصل القمر مغرب ذلك الموضع، فعند ذلك ينتهي الجزر منتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك ابتدر المد هناك مرة ثانية، ولا يزال كذلك إلى أن يصل القمر إلى وتد الأرض؛ فحينئذ ينتهي المد منتهاه ثانيا ويبتدئ الجزر مرة ثانية إلى أن يبلغ القمر أفق ذلك الموضع، فيعود الحال المذكور مرة ثانية.
قال أبو الريحان في كتابه المسمى بالآثار الباقية: إن بحر الصين إذا قرب هيجانه يستدل على ذلك بارتفاع السمك من قعره إلى وجه الماء، وإذا دنا سكونه يبيض طائر مشهور في البر في مجمع القرى، وهو طائر لا يصير إلى الأرض أبدا، ولا يعرف غير لجة البحر ووقت سكون البحر وقت بيضه، وفي هذا البحر من الجزائر ما لا يحصى، وفيه مغاص الدر في الماء العذب يقع فيه الحب الجيد، وفي بعض جزائره ينبت الذهب، وفيه الحيوانات العجيبة الأشكال، وفيه الدردور وهو الموضع الذي إذا وقعت السفينة فيه لا تخرج، ولنذكرها إن شاء الله تعالى.
[فصل: في عجائب جزائر بحر الصين]
جزائر هذا البحر كثيرة لا يعلمها إلا الله (١)، لكن بعضها مشهور يصل إليه الناس، منها جزيرة راتج، وهي جزيرة كبيرة في حدود الصين أقصى بلاد الهند، يملكها ملك يقال له: المهراج.
قال محمد بن زكريا: للمهراج جباية تقع في كل يوم مائتي من الذهب زنة كل من ستمائة درهم يتخذ منها لبنا ويطرحه في الماء وخزانته الماء.
وقال ابن الفقيه: بها سكان شبه الآدميين، إلا أن أخلاقهم بالوحش أشبه، ولهم كلام لا يفهم، وبها أشجار وهم يطيرون من شجرة إلى شجرة.
(١) قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾.