قالوا: إذا امتزج الماء بالطين وكان في الطين لزوجة وأثرت فيه حرارة الشمس مدة طويلة صار حجرا، كما ترى النار إذا أثرت في اللبن صلبتها وجعلتها آجرا، فإن الآجر نوع من الحجر إلا أنه رخو، وكلما كان تأثير النار فيه أكثر كان أشبه بالحجر، فزعموا أن تولد الجبال من اجتماع الماء والطين وتأثير الشمس.
وأما سبب ارتفاعها وشموخها فجاز أن يكون بسبب زلزلة فيها خسف فتخفض بعض الأرض وترفع بعضها، ثم المرتفع يصير حجرا كما ذكرنا، وجاز أن يكون بسبب أن الرياح تنقل التراب من مكان إلى مكان، فتحدث تلال ووهادا، ثم يتحجر بسبب ما قلنا.
وذكر صاحب علم المجسطي: أن في كل ست وثلاثين سنة ينتقل أوجات الكواكب ويدور في البروج الاثنى عشر دورة واحدة، فإذا انتقلت من الشمال إلى الجنوب تختلف مسامتات الكواكب ومطارح شعاعاتها على بقاع الأرض؛ فيختلف بها الليل والنهار، والشتاء والصيف، والحر والبرد، ويتغير أرباع الأرض؛ فيصير العمران خرابا، والخراب عمرانا، والبراري بحارا، والبحار براري، والسهول جبالا، والجبال سهولا.
(وأما صيرورة الجبال سهولا) فإن الجبال من شدة إشراق الشمس والقمر وسائر الكواكب عليها بطول الزمان تنشف رطوبتها، وتزداد يبسا وجفافا، وتنكسر خاصيته عند الصواعق؛ فتصير أحجارا وصخورا ورمالا، ثم إن السهول يحملها إلى بطون الأنهار والأدوية ثم تحملها بشدة جريانها إلى البحار، فتنبسط في قعرها ساقا بعد ساق بطول الزمان، ويتلبد بعضها فوق بعض، فيحصل في البحار جبال وتلال، كما يتلبد من هبوب الرياح دعاص الرمل في البرد.
ولذلك قد يوجد في جوف الأحجار إذا كسرت صدفة أو عظم، وذلك بسبب اختلاط طين هذا الموضع بالصدف والعظم، وقد يصير البحر يبسا واليبس بحرا؛ لأنه كلما انطمت قطعة من البخار على الوجه الذي ذكرناه.
فالماء يرتفع ويطلب الاتساع على سواحله، ويغطي بعض البر بالماء، ولا يزال كذلك حتى تصير مواضع البر بحرا، وهكذا لا تزال الجبال تنكسر وتصير حصى ورمالا يحملها سيول الأمطار مع طين ممرها إلى قعر البحار، وينعقد فيها كما ذكرناه حتى يستوي مع وجه الأرض، فيجف وينكشف، وينبت العشب عليها الأشجار؛ فتصير مسكنا للسباع والوحوش، فيقصده