وهو جسم حار رطب، من منافعه معاونة الأعصاب والشرايين والأوردة فإنها باردة يابسة، فلولا حرارة اللحم لأتاها الهواء من خارج وأفسدها، ولما كانت هي حوامل الروح والغذاء، واحتاجت إلى الهضم ولا يتم ذلك بنفسها، خلق الله تعالى معينا من اللحم محيطا بها ليتم الهضم الجيد، ومن منافعه حشو خلل العظام فيستوي شكل الأعضاء به كما يستوي البناء بالطين فيفيدها حسنا وزينة.
[النوع السادس: الشحم]
وهو جسم حار لطيف هوائي خلق على أطراف العضل ومواقع العصب فإنهما آلة الحس والحركة فافتقرت إلى مواتاه في الفعل والانفعال، وذلك إنما يتم بالحار الرطب، ولما كان العصب باردا يابسا ألحق بالشحم يسخنه ويعينه على هضم الغذاء وإنضاجه، ولم يلحقه باللحم كالعروق؛ لأن الغرض من اللحم هضم ما في داخل العروق فحسب، والغرض من الشحم تسخين العصب على وجه لا يمنعه من سرعة الحركة، فلو ألحق بجسم غليظ كاللحم تعسرت حركته وتبلد جسمه وكما قلنا: إن مثال اللحم كطين البناء فكذلك أمثال الشحم كحصته.
[النوع السابع: الشرايين]
وهي جداول مضاعفة؛ لأنها وعاء الروح خلقت ذات صفاقين إلا واحدة منها، فإن الشرايين تحمل الروح الحيواني من القلب إلى سائر البدن كالزيت للمصباح وإنما خلقت ذات صفاقتين صيانة للروح التي فيها واحتياطا بحفظها، فيطلع من القلب شعبتان: إحداهما إلى الرئة وأنها ذات طبقة واحدة ليكون أسلس وأطوع للانبساط والانقباض عند الاستنشاق، والشعبة الأخرى تنقسم قسمين: أحدهما يمضي صاعدا، والأخر إلى أسفل حتى استوعبا جميع البدن.
[النوع الثامن: الأوردة]
وهي جداول تشبه الشرايين إلا أنها ذات طبقة واحدة؛ لأن ما تحويه من الدم أغلظ مما تحويه الشرايين وتنشأ من الكبد وتحمل الغذاء إلى سائر الأعضاء، وأول ما ينبت من الكبد عرقان: أحدهما من الجانب المحدب، ومنفعته جذب الغذاء من الكبد ويسمى الباب والآخر من الجانب المحدب ومنفعته اتصال الغذاء من الكبد إلى سائر الأعضاء ويسمى الأجوف.