للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأرض، وقطر جرمها أربعمائة وتسعة وأربعون ميلا وسدس الميل، تبقى في كل برج سبعة وعشرين يوما، وأما خواصها فزعموا أن النظر إليها مما يوجب فرحا وسرورا، وإذا كان بالناظر إليها حرارات السل تخفف عنه، وزعموا أن من شأنها الشبق والباه والألفة، حتى لو نكح رجل امرأة والزهرة حسنة الحال وقع بينهما من المحبة والألفة ما يتعجب منه.

(النظر الخامس في فلك الشمس) وهو يحده سطحان كرويان مركزهما مركز العالم: الأعلى منهما مماس لمقعر فلك المريخ، والأدنى منها مماس لمحدب فلك الزهرة، ودورته من المشرق إلى المغرب تتم في ثلاثمائة وستين يوما وربع اليوم، وينفصل عنه فلك شامل للأرض مركزه خارج المركز كما ذكره في أفلاك الكواكب الثلاثة من غير فرق إلا أن الشمس ها هنا بمنزلة فلك التدوير؛ إذ ليس للشمس فلك التدوير، وذلك من لطف الله تعالى وعنايته بالعباد؛ لأنه لو كان فلك التدوير كما لسائر الكواكب السيارة رجعت، وبرجعتها يتمادى الصيف ستة أشهر، وكذلك الشتاء فيؤدي إلى هلاك الحيوان والنبات؛ لأن الشمس إذا بقيت مسامتة لرءوس قوم ستة أشهر لتغير مزاج حيوانهم واحترق نباتهم، وإن بعدت عن قوم ستة أشهر استولى البرد على مزاجهم وانطفأت حرارتهم وفسد نباتهم، وثخن جرم فلك الشمس ثلاثمائة ألف وخمسة وخمسون ألفا وأربعة وسبعون ميلا.

[فصل: في الشمس]

وهي أعظم الكواكب جرما وأشدها ضوءا ومكانها الطبيعي الكرة الرابعة (١) وهي بين الكواكب


(١) فكّر في تنقل الشمس في هذه البروج لإقامة دور السنة وما في ذلك من التدبير فهذا الدور هو الذي يضم الأزمنة الأربعة من: الشتاء، والربيع، والصيف، والخريف ويستوفيها على التمام؛ لأنه في هذا المقدار من دوران الشمس تدرك الغلات والثمار وتنتهي إلى غاياتها من النضج والصلاح، ثم يعود فيستأنف النشوء والنمو فما أحسن ما قال الأولون: (الزمان مقدار الحركة)، ألا ترى أن السنة مقدار مسير الشمس من الحمل إلى الحمل، فبالسنة وأجزائها يكال الزمان وتوزن الأوقات من لدن خلق الله العالم إلى كل وقت وعصر، وبها يحسب الناس الأعمال والأوقات المؤقتة للديون والإيجار والمعاملات وغير ذلك من أمورهم، وبمسير الشمس تكمل السنة ويقوم حساب الزمان على الصحة.
وتأمل شروق الشمس على العالم كيف دبّر أن يكون؟! فإنها لو كانت تبزغ في موضع من السماء فتقف فيه لا تعدوه لما وصل شعاعها إلى كثير من الجبال؛ لأن الجبال والجدران كانت تحجبها عنها فصارت بتدبير الله تطلع أول النهار من المشرق فتشرق على ما قابلها من المغرب ثم لا تزال تدور وتغشى جهة بعد جهة حتى تنتهي إلى المغرب فتشرق على ما استتر عنها في أول النهار فلا يبقى موضع من المواضع إلا أخذ بقسط من الأرب فيها.
انظر: الدلائل والاعتبار ص ٨.

<<  <   >  >>