والماء محيط بها إلا القدر البارز الذي جعله الله تعالى مقرّا للحيوان، وبعد الأرض من السماء من جميع جهاتها متساوية، وليس شيء من مظاهر سطح الأرض أسفل كما توهم كثير من الناس، ممن ليس له بالهيئة والهندسة.
ثم إن الإنسان في أي موضع وقف على سطح الأرض فرأسه أبدا مما يلي السماء، ورجله أبدا مما يلي الأرض، وهو يرى من السماء نصفها، وإذا انتقل إلى موضع آخر ظهر له من السماء بقدر ما خفي من الجانب الآخر تسعة وعشرين فرسخا درجة.
والبحر المحيط الأعظم أحاط بأكثر وجه الأرض، والمكشوف منها قليل على مثال بيضة غائصة في الماء، وانكشف بعضها، وعلى المنكشف منها: الجبال والتلال والوهاد، ولها: منافذ وخلجان وأنهار وبطائح وآجام وغدران، وما فيها قيد شبر إلا وهناك معدن أو نبات أو حيوان، ولا يعلم تفصيلها إلا الله ﴿وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩].
[فصل: في اختلاف آراء القدماء في هيئة الأرض]
قال بعضهم: إنها مبسوطة التسطيح في أربع جهات: المشرق والمغرب والجنوب والشمال.
وقال بعضهم: هي كشكل الترس، ومنهم من زعم أنها كهيئة الطبل. وذهب آخرون: أنها كنصف الكرة، والذي يعتمد عليه جماهيرهم أن الأرض مدورة كالكرة موضوعة من جوف الفلك كالمحة في جوف البيضة، وأنها في الوسط على مقدار واحد من جميع الجوانب.
ومن القدماء من أصحاب فيثاغورس من قال: الأرض متحركة دائما على الاستدارة، والذي نرى من دوران الفلك إنما هو دور الأرض لا دور الكواكب.
وقال بعضهم: إنها واقعة في الوسط على مقدار واحد من كل جانب، والفلك بها من كل وجه؛ فلذلك لا تميل إلى ناحية من الفلك دون ناحية؛ لأن قوة الأجزاء متكافئة مثل ذلك.
(حجر المغناطيس) الذي يجذب الحديد؛ لأن في طبع الفلك أن يجتذب الأرض، وقد استوى الجذب من جميع الجهات؛ فوقعت في الوسط، ومنهم من قال: إنها مدورة واقفة في الوسط، وسببه دوران الفلك وسرعة حركته ودفعه إياها من كل جهة إلى الوسط، كما أنه لو جعل تراب أو حجر في قارورة مدورة وأديرت في الخرط بقوة قام التراب أو الحجر في الوسط، والله الموفق.