للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وحكي) أن بعض الملوك قال لصاحب خيله: قدم الفرس الأبيض، فقال له الوزير: لا تقل الفرس الأبيض فإنه عيب يخل بهيبة الملوك ولكن قل: الفرس الأشهب فلما أحضر السماط قال لصاحب سماطه: قدم الصحن الأشهب. فقال له الوزير: قل ما شئت فما في تقويمك حيلة.

(وحكي) أن عتاب بن ورقاء دخل على عمرو بن هداب وقد كف بصره فقال له: يا سيدي لا يسوءك فقد همها، فإنك لو رأيت ثوابهما لتمنيت أن الله تعالى يقطع يديك ورجليك ويدق عنقك.

[القسم الرابع]

انتهاء القوة الغريزية إلى حد يعرف به عواقب الأمور ويقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة، لأجل سلامة العاقبة، ولا يخفى اختلاف الناس فيه فإن إقدام الشبان على المعاصي، أكثر من إقدام المشايخ وكذلك إقدام العلماء أقل من إقدام العوام لقوة علمهم بضرر المعاصي كما ترى أن الأطباء أقدر على الاحتماء من غيرهم.

(وحكي) أن بعض الملوك كان يتخذ كل سنة وزيرا، فإذا تمت السنة عزله وبعثه إلى جزيرة واستوزر غيره إلى أن يتخذ وزيرا عاقلا، فلما ولي بعث إلى تلك الجزيرة وبني بها دارا لنفسه ونقل إليها ما كان له من الأموال فلما تمت السنة لم يعزله الملك بل أقره على حاله فسئل الملك عن ذلك فقال:

اعلموا أني كنت محتاجا إلى وزير عاقل ينظر في العواقب فما وجدت إلا من يراعي الحال ولا ينظر في العواقب فكرهت أن أعجل عزله فصبرت على سوء تدبيره سنة فلما عزلته كرهت اختلاطه بالناس وهو مطلع على أسرار ملكي فبعثته إلى الجزيرة، وأما هذا الرجل فوجدته مراعيا للعواقب في جميع أموره، فلست أستبدل به مادام هذا تدبيره والله الموفق للصواب بمنه وكرمه.

[فصل: في خواص الإنسان وفوائد أجزائه وهو النظر السادس]

أما خواصه فكثير منها النطق وهو القوة التي يعرف بها الإنسان ما في ضمير غيره بواسطة رمز أو إشارة أو كناية والكلام أقوى الدلالات منها ومنها قوة التعجب وهي التي توجب الضحك عند رؤية ما يتعجب منه ذلك من خاصة الإنسان دون غيره من سائر الحيوانات، ومنها نبات الشعر على رأسه بخلاف سائر الحيوان؛ لأن الحكمة الإلهية اقتضت أن يكون شعر الحيوانات كسوتها ووقايتها من الحر والبرد، وأما الإنسان فلما كانت كسوته من خارج جعل شعره على رأسه ليكون زينة ووقاية وخلق الإنسان أزعر إذ لو كان أزغب لبطل الجمال وحاسة اللمس.

<<  <   >  >>