دفعة واحدة، بل يبقى في العطاف ويرد على السمع شيئا فشيئا وتسكن شدته في التعاريج فيفهم بالتأني وجعلت على مجراه صدفة ناشدة لرد الصوت إلى الثقبة وتمنعه من الإنتشار، وخلقت من الغضروف؛ لأن الغضروف موافق لقبول الصوت (١).
[فصل: في الأنف]
خلق الأنف بارزا عن الوجه لما فيه من الجمال، ولتكون أرنبته آلة لاستنشاق الهواء، وخلق مجراه مفتوحا؛ لأن الحاجة إلى استنشاق الهواء للتنفس ضرورية دائما، وإنما جعل مجراتين احتياطيا لمصلحة النفس حتى لو أصاب إحدى المجراتين آفة تحصل بالأخرى مصلحة التنفس، وخلقت قصبته صلبة لتكون وقاية للوجه من المصادمات، وأرنبته لينة ليحصل بانقباضها وانبساطها جذب الهواء، كما ترى من كير الحدادين ومجراه إذ علا ينقسم قسمين: أحدهما يفضي إلى فضاء الفم، والآخر يمر صاعدا حتى يفضي إلى العظم الشبيه بالمصفاة الموضوع في وجه محل الإحساس فيحصل بأحد القسمين الشم، وبالآخر التنفس، وإنما جعل في منتهى ثقبتي الأنف عظم مثقوب شبيه بالمصفاة؛ لتصل الروائح بنفسها إلى موضع الإحساس، ويستفرغ منها الفضول المخاطية ولم تجعل هذه المنافذ مستقيمة بل معوجة إذ لو كانت مستقيمة لكان الهواء المستنشق يصل إلى الدماغ بسرعة فيفسد، فجعلت معوجة ليبقى الهواء في تلك التعاريج مدة فتنكسر برودتها، فإذا وصل إلى الدماغ يكون معتدلا، وجعل منفذ المنخرين إلى الحنك حيث يوازي الحلقوم ليكون التنفس أسهل ولو لم يكن كذلك لما أمكن إطباق الفم ساعة ولو كان التنفس بالفم لكان الفم جافا بدخول الهواء وخروجه فلم يحصل إدراك الطعم ولا حركة اللسان ولا مضغ الطعام ولا بلعه.
[فصل: في الشفة]
خلقت الشفتان أمام الفم غطاء للحوم الأسنان، ومعينا في تناول الغذاء، وآلة للامتصاص ولمج ما يحتاج إليه الفم والكلام، وخلقتا من طبيعة اللحم ممتزجة بطبيعة الجلد، واتصلت بهما عضلات الوجنين من فوق، وعضلات الذقن من تحت، وعضلات الفك من الجانبين، وإنما خلقتا من طبيعة اللحم للحركة والحس والانبساط والانقباض والالتواء بواسطة الأوتار والأعصاب التي خالطتها، وإنما خلقتا من طبيعة الجلد ليكون لهما أدنى صلابة مع لين فتتشكل بالأشكال المختلفة بحسب الحاجة.
(١) فالله ﵎ جعل كل عضو مهيئ لما خلق له وطبيعته تساعده على القيام بعمله فكل ميسر لما خلق له.