لما كانت الحاجة إلى العين ماسة اقتضت الحكمة الإلهية أن تكون في غاية الرقة واللين ووقاها بضروب كثيرة من الوقاية، فوضعها في حفرة من العظم، وجعل حولها عظاما صلبة، وغطاها بالأجفان، وصانها بالأهداب، وجعلها عينين اثنين حتى لو أصاب إحداهما آفة بقيت الأخرى سليمة، وجعلهما في الرأس؛ لأن حاسة البصر بمنزلة الديدبان وأنه كلما كان أعلى مكانا كانت مسافة مبصراته أكثر، ولأن العصبة التي فيها الروح الباصرة رقيقة جدا نازلة من الدماغ لا تحمل مسافة بعيدة وقد وضعت أمام البدن لتكون حارسة للأعضاء التي غطاؤها ضعيف كالبطن وغيره، ولأن عمل الأعضاء الخارجة كاليد والرجل من قدام لتكون مشاهدة لأعمالها وهي سبع طبقات، وتركيبها أنه ينشأ من الدماغ من تحت القحف عصبة مجوفة تنتهي إلى قعر العين وعليها غشاءان: أحدهما غليظ، والآخر رقيق، فإذا صارت إلى عظم العين فارقها الغشاء الغليظ، وصار لباسا وغشاء لعظم العين، وتسمى الطبقة الصلبية ويفارقها أيضا الغشاء الرقيق ويسير لباسا وغشاء دون الطبقة الصلبية، وتسمى الطبقة المشيمية لشبهها بالمشيمية، وتعرض العصبية نفسها أن تصير غشاء بين الغشائين المذكورين، ويسمى الغشاء الشبكي، ثم يتكون في وسط هذا جسم لين رطب في لون الزجاج يسمى الرطوبة الزجاجية، ويتكون في وسط هذا الجسم جسم آخر مستدير إلا أنه مفرطح شبيه بالجليد في صفائه، وتسمى الرطوبة الجليدية وتحيط الزجاجية بالجليد بمقدار النصف ويعلو النصف الآخر جسم شبيه بنسج العنكبوت شديد الصفاء والصقال وتسمى الطبقة العنكبوتية، ثم يعلو هذا الجسم جسم سائل في لون بياض البيض تسمى الرطوبة البيضية، ثم يعلو الرطوبة جسم رقيق أملس الخارج يختلف لونه في الناس فربما كان شديد السواد وربما كان دون ذلك، وفي وسطه حين يحاذي الجليد ثقب يتسع ويضيق في حال دون حال بمقدار حاجة الجليدية إلى الضوء، فيضيق عند الضوء الشديد ويتسع في الظلمة، وهذا الثقب هو الحدقة ويسمى هذا الغشاء الطبقة العينية، ويعلوها ويغشاها جسم كثيف صاف شبيه بصفيحة رقيقة من قرن أبيض وتسمى الطبقة القرنية غير أنها تتكون بكون الطبقة التي تحتها المسماه العينية ويعلوها ويغشاها إلى موضع سواد العين في حوله جسم أبيض اللون صلب يسمى الملتحم وهو بياض العين ونباته من الجلد الذي خارج القحف ونبات القرنية من الطبقة الصلبية، ونبات القرنية العينية من الطبقة المشيمية، ونبات العنكبوتية من الطبقة الشبكية، والله الموفق.
(أما الروح الباصر) فإنه في جوفه عصبان يبتدئان من غور البطنين المتلازمين المقدمين من