وهي ضربان الأول الشهوانية، وهي القوة التي تدعو إلى طلب النافع، ومن جملتها شهوة المأكل فإنها مادة القوى كلها، فلو خلق للحيوان جميع القوى سوى الشهوانية لكانت القوى كلها ساطعه، والحواس معطلة فكم من مريض يرى الطعام وقد يقع الاشتياق له، وقد سقطت شهوته، فالقوى كلها بسبب ذلك معطلة، فاقتضت حكمة الباري تعالى شهوة الغذاء في الحيوان، ووكلها به ليضطره كالمتقاضي إلى التناول ليبقى بالغذاء سليم القوى، صحيح الأعضاء، ومنها شهوة الوقاع فلو لم يخلق للحيوان هذه القوى، لأدى إلى انقطاع نسله سيما نوع الإنسان فإن له قوة الفكر والحظر كأن يمتنع عن المباشرة لما فيه من تعب الحمل والوضع والتربية، فاقتضت حكمة الباري تعالى قوة الوقاع في الحيوان، ووكلها به كالمتقاضي لتدعوه إلى الوقاع فيبقى نسله.
[(الضرب الثاني: القوة الغضبية)]
وهي التي تدعو إلى الغلبة فلو لم يخلق للحيوان هذه القوة لبقى عرضة للآفات؛ لأنه كثير الأعداء فكل حيوان يقصد إما نفسه ليجعله طعمة أو يقصد ما عنده من الغذاء ونوع الإنسان أحوج إلى هذه القوة لكثرة من يزاحمه في النفس والمال والجاه والحزم وغيرها فلا بد للحيوان من قوة يدفع بها من يغلبه بالدفع.
[(الصنف الثاني: القوة الفاعلة)]
وهي التي يصدر عنها تحريك الأعضاء بمباشرة الأفعال طاعة للقوة الشوقية، وذلك بأن تشد الأوتار أو ترخيها، فتحرك بها الأعضاء والمفاصل فلولا هذه القوة لكان جميع بدن الحيوان كاليد الشلاء، فكان الانفعال والقبض والبسط غير ممكن فلم يكن له آله الطلب والهرب كالزمن، فاقتضت حكمة الباري ﷿ آلات الحركة لتكون حركته بمقتضى الشهوة طلبا وبمقتضى الكراهة هربا.
[(النوع الرابع: القوى العقلية)]
(١) وهي أربع مراتب:
[(الأولى: القوة التي بها يفارق الإنسان البهائم)]
وهي استعداد لقبول العلوم النظرية والصناعات الفكرية.
[(الثانية: القوة التي تدخل الوجود للصبي المميز)]
وبها يدرك الضروريات والممكنات والممتنعات كالعلم بأن الإثنين أكثر من الواحد والشخص الواحد لا يكون في مكانين فيقال له التصورات والتصديقات الضرورية.
(١) لا بد من استخدامها في كل ما هو نافع من تفكر وتدبر.