العظمة لك، والكبرياء لجلالك، اللهم يا قائم الذات ويا مفيض الخيرات، واجب الوجود، وواهب العقول، وفاطر الأرض والسموات، مبدئ الحركة والزمان، ومبدع الخير والمكان، فاعل الأرواح والأشباح وجاعل النور والظلمات، محرك الأفلاك ومزينها بالثوابت والسيارات، ومقر الأرض وممهدها لأنواع الحيوان وأصناف المعادن والنبات، دام حمدك وجل ثناؤك وتعالى ذكرك وتقدست أسماؤك، لا إله إلا أنت وسعت رحمتك وكثرت آلاؤك ونعماؤك، أفض علينا أنوار معرفتك، وطهر قلوبنا عن كدورات معصيتك، وأمطر علينا سحائب فضلك ومرحمتك، واضرب علينا سرادقات عفوك ومغفرتك، وأدخلنا في حفظ عنايتك ومكرمتك، وصل على ذوي الأنفس الطاهرات، والمعجزات الباهرات، خصوصا على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين «محمد» بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، الذي اخترته للنبوة وآدم بين الماء والطين، وأرسلته رحمة للعاملين، أيدته بنصرك وبالمؤمنين، وختمت به الأنبياء والمرسلين، وعلى إخوانه من النبيين والصالحين وآله وصحبه أجمعين.
يقول العبد الأصغر زكريا بن محمد بن محمود القزويني تولاه الله بفضله، وهو من أولاد بعض الفقهاء الذين كانوا موطنين بمدينة قزوين وينتهي نسبه إلى أنس بن مالك خادم رسول الله ﷺ: لما حكم الله تعالى ببعد الدار والوطن ومفارقة الأهل والسكن، أقبلت على مطالعة الكتب على رأي من قال:«وخير جليس في الزمان كتابي» وكنت مستغرقا بالنظر في عجائب صنع الله تعالى في مصنوعاته، وغرائب إبداعه في مبتدعاته، كما أرشد الله سبحانه إليه حيث قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ﴾ [ق: ٦] ليس المراد من النظر تقليب الحدقة نحوها فإن البهائم تشارك الإنسان فيه. ومن لم ير من السماء إلا زرقتها، ومن الأرض إلا غبرتها فهو مشارك للبهائم في ذلك، وأدنى حالا منها وأرشد غفلة كما قال تعالى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها﴾ إلى أن قال ﴿أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [الأعراف: ١٧٩] والمراد من هذا النظر التفكير في المعقولات، والنظر في المحسوسات والبحث عن حكمتها وتصاريفها ليظهر له حقائقها، فإنها سبب اللذات الدنيوية والسعادات الأخروية؛ لهذا قال ﷺ:«اللهم أرني الأشياء كما هي»، وكلما أمعن النظر فيها