القوى صنف من الملائكة خلقها الله تعالى لتدبير الأبدان وقوام منافع أعضائها من الأفعال والإدراكات، فتشبه أفعالها فيها أفعال صناع البلاد وسكانها، فإن حال البدن مع الروح وهذه القوة تشبه مدينة عامرة بآلاتها مأنوسة بسكانها، مفتوحة الأسواق مسلوكة الطرقات مشتغلة الصناع، وحاله عند النوم وهذه الحواس وسكون الحركات تشبه حال المدينة بالليل إذا غلقت أبوابها، وتعطلت صناعها ونام أهلها. ومنهم من قال إن البدن كبيت بنقوش وصور عجيبة، وألوان مختلفة فالقوى تلك النقوش، والصور والنفس كالسراج الذي يدار في أطراف البيت، وبسبب وصول ضوئه إلى آخر البيت يرى له في سقفه وحيطانه وفرشه عجائب يبينهن فيها، بل في كل زاوية من زواياه مثل الحس والعقل والفهم، والقوى الظاهرة والباطنة والجمال وغيرها، فإذا فارق النفس بطلب هذه المعاني كما أن البيت عند انطفاء السرج لا يرى لتلك النقوش والصور أثر عجائب القوى خارجة عن فهم الإنسان، لكن أحببت أن أذكر بعض ما أدركه أذكياء النفوس من الحكماء من العجائب المودعة في الأنواع الأربعة من القوى، والله الموفق للصواب.
[(النوع الأول: القوى الظاهرة)]
وهي الحواس الخمس.
[(الأولى: حاسة اللمس)]
وهي قوة منبثة في جميع جلد البدن تدرك ما يلاقيه ويؤثر فيه، فإنها أول حاسة خلقت للحيوان حتى إذا مسه نار أو حديد جارح يحس به فيهرب منه، ولا يتصور حيوان إلا وله هذه الحاسة حتى الدودة التي في الطين فإنها إذا غرز فيها إبرة انقبضت.
[(الثانية: الشم)]
وهو قوة في مقدمة الدماغ تدرك الروائح التي يؤدي إليها الهواء المتكيف بتلك الكيفية.
[(الثالثة: البصر)]
وهو قوة مركبة في عصبة مجوفة في العين تدرك صور الأشياء ذوات الأضواء والألوان، فإن الضوء إذا سرى في الأجسام الشفافة وحمل معه ألوان الأجسام واتصل بحدقة الحيوان، وسرى فيها كما يسري في الأجسام الشفافة، انصبغت الحدقة بتلك الألوان كما ينصبغ الهواء بالضياء، فعند ذلك تحس القوة الباصرة.