[النوع الأول: في حقيقة الإنسان. والنظر فيه في أمور]
[النظر الأول في حقيقة الإنسان]
اعلم: أن الإنسان مجموع مركب من النفس والبدن وأنه أشرف الحيوانات وخلاصة المخلوقات، ركبه الله تعالى في أحسن صورة روحا وبدنا وخصصه بالنطق والعقل سرا وعلنا، وزين ظاهره بالحواس والحظ الأوفى وباطنه بالقوى ما هو أشرف وأقوى، وهيأ للنفس الناطقة الدماغ وأسكنه أعلى محل وأوفق رتبة وزينه بالفكر والذكر والحفظ، وسلط عليه الجواهر العقلية؛ لتكون النفس أميره، والعقل وزيره، والقوى جنوده، والحس المشترك مريده، والأعضاء خدمه، والبدن محل مملكته والحواس يسافرون في جميع الأوقات في عالمهم ويلتقطون الأخبار الموافقة والمخالفة. ويعرضونها على الحس المشترك الذي هو واسطة بين النفس والحواس على باب المدينة وهو يعرضها على القوة العقلية لتختار ما يوافق وتطرح ما يخالف.
فمن هذا الوجه فالإنسان عالم صغير ومن حيث إنه يتغذى وينمو قالوا: نبات. ومن حيث إنه يحس ويتحرك قالوا: حيوان. ومن حيث إنه يعلم حقائق الأشياء قالوا: ملك فصار مجمعا لهذه المعاني، فإذا صرف همه إلى جهة من هذه الجهات ليلتحق بها فإن كان قد صرف همته إلى الجهة الطبيعية فيكون راضيا من أمر دنياه بالتغذي وتنقية الفضول، وإن كان إلى الحيوانية فيكون إما غضوبا كسبع، أو أكولا كبقر، أو شرها كخنزير، أو جزعا ككلب، أو حقودا كجمل، أو متكبرا كنمر، أو ذا روغان كثعلب، أو يجمع هذا كله فيكون شيطانا مريدا. وإن كان صرف همته إلى الجهة الملكية فيكون متوجها إلى العالم الأعلى ولا يرضى بالمنزل الأسفل والمربع الأدنى، فيكون مرادا من قوله ﷿: ﴿وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً﴾ [الإسراء: ٧٠] والله الموفق للصواب.
[النظر الثاني: في النفس الناطقة]
قالوا: هو كما أول النفس الطبيعي إلى جهة ما يعقل من الأمور الكلية. واعلم: أن الإنسان حال ما يكون شديد الاهتمام بالشيء يقول: قلت: كذا، وفعلت كذا، وهو في هذه الحالة عالم بذاته غافل عن جميع أعضائه الظاهرة والباطنة، والمعلوم في هذه الحالة هو النفس وإنه متقلد لهذه التكاليف متعرض لخطر الثواب والعقاب، باق بعد الموت إما في نعيم وسعادة كما قال الله تعالى:
﴿بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] وإما في جحيم وشقاوة كما قال عز من قائل: ﴿النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ [غافر: ٤٦]. وروي أن رسول الله ﷺ