للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال في يوم بدر لما قتل صناديد قريش وألقوا في قليب بدر: «يا عتبة يا شيبة قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقّا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟» فقيل يا رسول الله: تناديهم وهم أموات؟ فقال:

«والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع منهم لكلامي، لكنهم لا يقدرون على الجواب» (١) وهذه النفس في البدن كالوالي في مملكته والقوى والأعضاء كالخدم له، وهو متصرف فيها وإنها مجبولة على طاعته لا تستطيع مخالفته، فالبدن مملكة النفس ومدينته، والقلب واسطة المملكة والأعضاء كالخدم، والقوى الباطنة كصناع المدينة والعقل كالوزير المشفق الناصح، والشهوة طالب أرزاق الخدم، والغضب صاحب الشرطة وهو عبد مكار خبيث يتمثل بصورة الناصح سم قاتل ودأبه أبدا منازعة الوزير الناصح والقوة المتخلية في مقدم الدماغ كالخازن، واللسان كالترجمان والحواس الخمس جواسيس وقد وكل كل واحد منهما بأخبار صقع (٢) من الأصقاع، فقد وكل العين بعالم الألوان، والسمع بعالم الأصوات، وكذلك سائرها فإنها أصحاب أخبار يلتقطونها من هذه الأصقاع ويردونها إلى الحس المشترك الذي هو صاحب البريد، وهو يسلمها إلى الخازن، والخازن يحفظها لتستعمل النفس منها ما تحتاج إليه وقت حاجتها في تدبير مملكته، وهذه النفس أبدى الوجوه لكنه منتقل من حال إلى حال ومن دار إلى دار.

وقد ذكر علي في بعض خطبه: إنما خلقتم للأبد من دار إلى دار تنتقلون من الأصلاب إلى الأرحام ومن الأرحام إلى الدنيا ومن الدنيا إلى البرزخ ومن البرزخ إلى الجنة أو النار، ثم تلا قوله ﷿: ﴿مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى﴾ [طه: ٥٥] وقال الشيخ الرئيس في تعلق النفس بالبدن واستئناسها به ومفارقتها إياه شعرا:

هبطت إليك من المحل الأرفع … ورقاء ذات تعزز وترفع

محجوبة عن كل مقلة ناظر … وهي التي سفرت (٣) ولم تتبرقع (٤)

وصلت على كره إليك وربما … كرهت فراقك وهي ذات تفجع


(١) حديث صحيح سبق تخريجه.
(٢) الصقع: الناحية.
(٣) سفرت: أي: ظهرت.
(٤) تتبرقع: أي: تستتر وتختفي.

<<  <   >  >>