أن نبرح عنها، فأتى قوم وجوههم كوجوه الكلاب، وسائر أبدانهم كأبدان الناس، فسبق إلينا واحد منهم بعصا، ووقف الآخرون فساقنا إلى منازلهم، فرأينا هناك الجماجم والسيقان وأذرع الناس، فأدخلونا بيتا فيه إنسان، فجعلوا يأتوننا بالفواكه والمأكول فقال ذلك الرجل: يطعمونكم لتسمنوا ومن سمن منكم أكلوه.
قال: فكنت أقلل المأكل حتى لا أسمن، وكل من سمن من أصحابي أكلوه، حتى بقيت أنا وذلك الرجل؛ لأني كنت هزيلا والرجل عليلا، فقال ذلك الرجل: إنهم قد حضر لهم عيد يخرجون كلهم إليه ثلاثة أيام، فإن أردت النجاة فانج بنفسك، وأما أنا فقد ذهبت رجلاي لا يمكنني الهرب، واعلم أنهم أسرع شيء طلبا وأشد استنشاقا وأعرف بالأثر، إلا من دخل تحت شجرة كذا، فإنهم لا يطلبونه ولا يقدرون عليه.
قال: فكنت أسير ليلا وأكمن نهارا، فلما رجعوا وتفقدوني جعلوا يقصون أثري فأدركوني وكنت تحت الشجرة، فانقطعوا عني، فلما أمنت منهم جعلت أسير في تلك الجزيرة، إذا رفعت لي أشجار كثيرة فانتهيت إليها، فإذا بها من كل الفواكه، وتحتها رجال أحسن صورة، فقعدت إليهم لا أفهم كلامهم ولا يفهمون كلامي، فبينا أنا جالس معهم إذ دنا إليّ واحد منهم ووضع يده على عاتقي، فإذا هو جالس على رقبتي ثم لوى رجليه علي فأنهضني فجعلت أعالجه لأطرحه عن رقبتي، فخمشني في وجهي وسخرني كما يسخر أحدكم مركوبه، فجعلت أدور على الأشجار وهو يقطع ثمارها ويرمي بها أصحابه وهم يضحكون.
فبينا أسير به في وسط الأشجار إذا أصاب عينيه بعض عيدان الأشجار فعمي، فعصرت له شيئا من العنب، ثم قلت له: اكرع فكرع، فتحللت رجلاه، فرميته وبقي أثر الخموش في وجهي، والله الموفق.
[فصل: في حيوان هذا البحر]
(منها المنشار) قال بعض التجار: إنها سمكة مثل الجبل العظيم، ومن رأسها إلى ذنبها مثل أسنان المنشار من عظام سود مثل الأبنوس، كل سن منها في رؤية العين مقدار ذراعين، وعن رأسها عظمان طويلان، كل عظم مقدار عشرة أذرع، وكانت تضرب بالعظمين البحر يمينا وشمالا، فيسمع صوته صوتا هزيلا (١).