حكى بعض التجار، قال: ركبت هذا البحر فدارت بي الدوائر، حتى حصلت في هذه الجزيرة، فرأيت فيها خلقا كثيرا وبقيت بها زمانا واستأنست بهم وتعلمت لغتهم، فإذا الناس في بعض الأيام مجتمعون ينظرون إلى كوكب طلع من أفقهم، ثم شرعوا في البكاء والعويل وقالوا:
إن الكوكب يطلع في كل ثلاثين مرة، فإذا وصل إلى سمت رءوسنا يحرق ما في هذه الجزيرة، فتأهبوا للنقل في المراكب، فلما دنا الكوكب من سمت رءوسهم ركبوا فيها وأخذوا معهم ما خف من القماش، فركبت معهم فغبنا عنها مدة، فلما علموا أن الكواكب زال عن سمت رءوسهم عادوا إليها فوجدوا جميع ما كان فيها رمادا، فشرعوا في استئناف العمارة.
(ومنها) جزيرة الضوضاء، وهي جزيرة مما يلي الزنج.
وحكى بعض التجار أن بهذه الجزيرة مدينة من حجر أبيض يشع منها ضوء، لا ساكن بها من البشر، وربما دخلها البحريون وشربوا من مائها فوجدوه حلوا طيبا فيه رائحة الكافور، ويقولون: كنا نعرف منتهاها غير أن بقربها جبالا عظيمة، تتوقد منها بالليل نار عظيمة، وذكر أن حواليها حية تظهر في كل سنة مرة، فيحتال ملوك الزنج في أخذها، فإذا أخذوها يطبخونها ويتخذون من جلدها فراشا يجلس عليه صاحب السل يأمن من غائلته، ويوجد ذلك في خزائن الملوك.
(ومنها جزائر العور) حكى يعقوب بن إسحاق السراج، قال: رأيت رجلا من أهل رومية قال: ركبت هذا البحر فألقتني الريح إلى بعض الجزائر فوصلت بها إلى مدينة أهلها ناس قامتهم قدر ذراع، وأكثرهم عور، فاجتمع عليّ جمع منهم وساقوني إلى ملكهم، فأمر بحبسي فجعلوني في شبه قفص فكسرته، فأمنوني.
فرأيتهم في بعض الأيام يتأهبون للقتال، وقالوا: لنا عدو يأتينا وهذا أوان مجيئه، فلم نلبث أن طلعت عليهم عصابة من الغرانيق … فأخذت عصا وشددت عليها فطارت وذهبت فأكرموني.
وذكر أرسطاطاليس في كتاب الحيوان أن الغرانيق تنتقل من خراسان إلى ناحية مصر حيث يسيل ماء النيل تقاتل هناك رجلا، وقامتهم قدر ذراع.
(ومنها) جزيرة سكسار، حكى يعقوب بن إسحاق السراج قال: رأيت رجلا في بعض الأسفار في جهة خموش، فسألته عن ذلك فقال: ركبت البحر فألقتنا الريح إلى جزيرة لم نستطع