قال بعض الحكماء في تشبيه بدن الإنسان بمدينة: لما خلق الله تعالى بدن الإنسان وسواه ونفخ فيه من روحه كان مثل أساس بيته وتركيب أجزائه مثل مدينة بنيت من أشياء مختلفة كالحجارة والآجر واللبن والجص والطين والنورة والرماد والخشب والحديد وما شاكلها، فأحكم بنيتها وشيد بنيانها، وحصن سورها، وحفظ شوارعها وقسم محالها وزين منازلها وملأ خزائنها وأجرى أنهارها، وفتح سواقيها وأشغل صناعها وأقعد تجارها ودبر ملكها، وأخدم ملكا فخلق تسعة جواهر مختلفة أشكالها وهي ملاك بنيانها ثم ألفها وركب بعضها فوق بعض عشر طبقات متصلات بهندامها، ثم أسندها بمائتين وثمانية وأربعين عمودا، ثم إنه سمرها ومد حبالها وشد وصالها بسبعمائة وعشرين رطبا ممدودات ملتفات عليها، ثم قدر بيوتها وقسم جوانبها وأودعها إحدى عشرة خزانة مملوءة جواهر مختلفة ألوانها، وخط شوارعها، وأنفذ طرقاتها وفتح أبوابها ثلاثمائة وثلاثين مسلكا لسكانها، واستخرج منها عيون وشق فيها أنهارا ثلاثمائة وستين جدولا مختلفات بجريانها، وفتح على سورها اثنى عشر بابا من درجات مسالك لخزانها، وأحكم بناء هذه المدينة على أيدي ثمانية صناع متعاونين هم خدامها، ووكل بحفظها خمس حراس خواص على حفظ أركانها، ثم رفع هذه المدينة في الهواء على عمودين وحركها إلى ست جهات بجناحين، ثم أسكن فيها ثلاث قبائل من الجن والإنس والملائكة هي سكانها، ثم رأس عليهم ملكا واحدا وأمره بحفظها وأوصاه بسياستهم.
(تفسير ذلك) أما الجواهر التسعة فهي العظام والمخ والعصب والعرق والدم واللحم والجلد والظفر والشعر والطبقات العشر هي الرأس والرقبة والصدر والبطن والجوف والحقوان والوركان والفخذان والساقان والقدمان، والأعمدة هي العظام والرباطات هي الأعصاب، والأحد عشر جزءا هي الدماغ والنخاع والرئة والقلب والكبد والطحال والمرارة والمعدة والمعي والكليتان والأنثيان، والشوارع والطرقات هي العروق الضوارب والأنهار الأوردة والأبواب الإثنا عشر العينان والأذنان والمنخران والثديان والسبيلان (١) والفم والسرة، والصناع الثمانية هي القوة الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة والمصورة، والحواس الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس، والعمودان الرجلان والجناحان اليدان، والجهات الست المعروفة والقبائل الثلاثة، فالنفس الشهوانية كالجن والنفس الحيوانية كالإنس، والنفس الناطقة كالملائكة، والرئيس الواحد عليهم هو العقل، والله الموفق للصواب.