للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدماغ في غاية اللين؛ لأن ظاهره منشأ شعب الحواس، وباطنه محل التخيل والإحساس، ولين الموضع مناسب لهما للانطباع وسرعة القبول، وأن يكون مؤخر الدماغ أطلب من المقدم؛ لأن ظاهره منشأ الشعبة العظيمة التي هي النخاع، وباطنه موضع الحفظ والصلابة مناسبة لهما، فسبحان من أتقن كل شيء خلقه وهو اللطيف لما يشاء، والله الموفق.

[النوع الثاني: الرئة]

وهو جسم متخلخل رخو كأنه زبد منعقد، وذلك لكونه آلة الترويح عن القلب دعت الحاجة إلى الخفة والانبساط والانقباض، ومعنى الترويح جذب هواء صاف يقع على القلب، ويخرج هواء محترقا أحرقته حرارة القلب، ومدخل الهواء ومخرجه قصبة الرئة وخلقت مجرى واسعا من عظم غضروفي على شكل حلق مربوطة بعضها ببعض، وإنما خلق واسعا لينفذ فيه من الهواء شيء كثير في زمان يسير وإنما خلق من حلق غضروفية ليكون مفتوحا دائما، ولا يحتاج إلى آلة تفتحها؛ لأن الحاجة إلى التنفس ماسة دائما، وإنما خلقت قصبة الرئة محتاجة إلى أن تتسع في حال وتضيق في حال لاختلاف الحاجة عند شدة الصوت وضعفه، ولذلك لم يخلق حلقاتها تامة وإلا لم تتمدد في العرض المذكور فخلق ثلاثة أرباعها غضروفية وتمم الباقي بالغشاء وجعل جانبها الغشائي إلى نحو المريء ليتطاوع عند الازدياد، وجانبها الغضروفي إلى الخارج؛ لأنه أصلب فيكون أصبر على المصادم الخارجي، ثم إن قصبة الرئة لما جاوزت الترقوة وانبسطت إلى فضاء الصدر انقسمت إلى قسمين يمينا ويسارا ثم ينقسم كل قسم منها إلى أقسام مختلفة على حسب أقسام الأوردة والشرايين في منافذ هذه القصبات ليدخل الهواء في الشرايين من الرئة عند انبساط القلب، ويندفع فيها الدخان عند انقباضها، ولما كان الهواء الذي تجذبه الرئة ليس صالحا لترويح القلب حتى يصير معتدلا، خلقت القصبات التي هي خزانة الهواء تحفظ جوهر الهواء المحصور فيها (١) وإعداده موافقا للقلب وصالحا لأن يتكون منه الروح، كما أن جوهر الكيلوس المحصور في الكبد ينضجه الكبد ويجعله صالحا لأن يتكون منه بدل ما يحلل من الأعضاء، وأما نفس الرئة فتكتنف بالقلب وهي منقسمة قسمين: أحدهما في تجويف الصدر الأيمن، والآخر في تجويف الصدر الأيسر لتحصل منفعة الرئتين ما دامت الرئة سليمة وومتى وقعت في إحدى الجهتين آفة تمنعها من تأدية فعلها، قام الجانب الآخر بفائدة الترويح ولا يؤدي إلى فساد البدن، والله تعالى الموفق.


(١) تبارك الله أحسن الخالقين.

<<  <   >  >>