للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وأما الجنوب) فحارة رطبة؛ لأن هبوبها من ناحية خط الاستواء، والحر مفرط هناك؛ لأن الشمس تسامتها في السنة دفعتين ولا تباعد عنها فتزداد بذلك حرّا، وأيضا هذه الجهة كثيرة البحار، فتبخر الشمس منها أبخرة رطبة، فتكسب الجنوب منها رطوبة، والجنوب ترخي الأبدان وتورث الكسل وتحدث ثقلا في الأسماع وغشاوة في البصر، ويظهر عند هبوب الجنوب في البحر سواد عظيم.

ومن العجب أن الجنوب إذا هبت على الماء الحار بردته، والشمال إذا هبت عليه تركته على حرارته كما كان، قالوا: سبب ذلك أن عند هبوب الشمال تكمن الحرارة في داخل الماء، كما ترى في الشتاء أن الحرارة تكمن في جوف الأرض فيبقى داخلها حارا، وأما عند هبوب الجنوب فتخرج الحرارة من داخل الماء كما ترى في الصيف، فإن الحرارة تخرج من جوف الأرض إلى خارجها ويبقى داخلها باردا فخرجت الحرارة من داخل الماء عند هبوب الجنوب، والماء في نفسه بارد يعود إلى طبعه والعرب تزعم أن اللواقح من الجنوب ولا يأتي بالمطر إلا الجنوب.

(وأما الصبا) قريبة من الاعتدال فإن كان هبوبها في أول النهار، فهي مثائلة إلى البرد لأنها تمر على مواضع باردة فبردت ببعد الشمس عنها بالليل فتكون طيبة جدّا إلا أن زمانها قليل؛ لأن شعاع الشمس يسوقها من خلفها، فإذا طلعت الشمس ساقها إلى قدامها فلا تزال كذلك تمر قدام الشعاع والشمس تلطفها وتسخنها بحرها وضيائها حتى تصير معتدلة، وهي النسيم السحري الذي يلتذ به الإنسان، ويطيب النوم عليه، ويجد المريض راحة عند هبوبها ويكون هبوب هذا الريح بالأسحار من الليل والغدوات من النهار، والله الموفق.

(وأما الدبور) فإنها مخالفة للصبا؛ لأنها والشمس مدبرة عنها فلا تسخنها تسخين الصبا، وكذلك تهب في آخر النهار ولا تهب قبله ولا تهب بالليل، لأن الشمس تبلغ موضع مبهبها في ذلك الوقت فتحلل منه البخارات ولهذا المعنى يكون زمن هبوبها قليلا وجميع ما ذكرناه من فوائد الصبا أمر الدبور ضد ذلك، وحسبك قول النبي : «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور».

[فصل: في فوائد عجيبة للرياح]

منها: حكايتها لما تمر به من صوت أو رائحة أو كيفية أو بخار أو دخان، ومنها: إلقاحها الشجر وترطيبها الزرع وتجفيفها إياه وتغييرها طباع الحيوان، حتى قيل: إن لها تأثيرا في الذكور والإناث كما ذكرنا، وتأثيرها في الحيوان أن بعضها يرخي البدن وبعضها يصلب.

<<  <   >  >>