ولما كان المقصود من الرجل القيام والمشي وحمل البدن واقفا وماشيا والقعود مع التشكيل بأشكال مختلفة، جعل آخر الرجل على ما يوافق إتمام هذه المقاصد في الجوهر والشكل والمقدار والعدد والوضع والتأليف (١) وخلق ركبة عظم الفخذ على الورك على استقامة وعظم الساق على الفخذ على نحو ينقبض إلى خلف؛ ليتم الانتصاب والتخطي والقعود مفترشا ومتربعا وغيرها من الانحناء والأشكال الكثيرة وخلق طول القدم ومشطها ووسعها لفائدة الثبات والاستقرار وخلق أصابعها على نحو آخر مخالف لأصابع اليد فإنها كلها في سطر واحد ليتم بها الثبات والاستقرار على الأشياء المختلفة كالمحدب والمقعر والصعود بالمراقي والدرج، وخلق العصب من عظم صلب ليكون حاملا للبدن وخلق الكعب فيما بين الساق والعقب ليعين القدم على الانقباض والانبساط في المشي وغيره من الحركات، والله الموفق للصواب.
[(الضرب الثاني من الأعضاء المركبة) الأعضاء الباطنة وهي أنواع]
[النوع الأول: الدماغ]
وهو جسم لدن محوى في غشاءين منبع للروح النفساني ومنه ينبعث في الأعصاب إلى سائر البدن، ولما كان جوهر الدماغ شديد اللين اقتضت الحكمة الإلهية أن يكون في غشاء رقيق وهي الأم لتحفظه وتكون وقاية له، ثم خلق بين القحف والدماغ غشاء غليظا يلاقي القحف من داخل يكون كالبطانة لها ويكون هذا الغشاء وقاية للدماغ من الأشياء الغريبة ولما كان جوهر الدماغ لينا سريع الانفعال من أدنى سبب خلق له حصن صلب من العظم وهو القحف وجعل بعيدا منه ليدفع الآفات عنه وجعل خريطة للدماغ معلقة من القحف غير ملاقية له؛ لأنها لو كانت ملاقية والقحف صلب يصادمه دائما فينضغط عنه وكان دائم النكاية وللدماغ ثلاثة بطون وكل بطن في عرضه ذا جزءين، أما البطن المقدم فهو محسوس الانفصال ينقسم إلى جزءين عظيمين يمنة ويسرة، وهذا الجزء يعين على الاستنشاق وعلى نفض الفضول والعطاس، وأما البطن المؤخر فهو أيضا، وهو مبدأ النخاع لكنه أصغر من البطن المقدم، وأما البطن الأوسط فإنه كمنفذ من الجزء المقدم إلى الجزء المؤخر وكدهيلز مضروب بينهما يؤدي عن التصور إلى الحفظ فلما كان كذلك كان أحسن موضع للتفكر والتذكر فالحكمة الإلهية اقتضت أن يكون مقدم
(١) وقد خلق الله بعض الناس غير قادرين على الحركة وذلك للعبرة والاتعاظ.