الواقع من أعلى إلى أسفل فعند ذلك ينقبض قعر الرحم وينتفخ عنقه ويبتدئ بالرطوبات التي كانت في الأغشية قبل ورود الجنين لينزلق المجري فيسهل الخروج. وإذا كان طبيعيّا يبتدئ بالرأس؛ لأن أعاليه أثقل من أسافله فإن من السرة إلى الرأس أثقل مما هو من السرة إلى القدم، فينزل الثقيل أولا ثم يتبعه الخفيف بتقدير العزيز العليم.
[النظر الرابع: في تشاريع أعضاء الإنسان]
اعلم: أن في تشريح الأعضاء من العجائب (١) ما تحير فيها عقول الأولين والآخرين، وقصر عن إدراك بعضها فهم الخلق أجمعين ولكثرة ما فيها من العجائب قال جل من قائل: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢١].
ولنذكر شيئا من عجائب الإنسان والأسرار المودعة فيه وفي تركيبها إن شاء الله تعالى فنقول: الأعضاء أجسام متولدة من أول مزاج الأخلاط وهي على قسمين متشابهة ومركبة.
[القسم الأول: المتشابهة]
وهي التي يكون حدها كلها حد خروجها. وهي أنواع:
[النوع الأول: العظام]
وهي أجسام صلبة جعلت قواما للبدن ودعامة تنشأ منها الرطوبات وتمتد من بعض الأعضاء إلى بعض فيشدها ويقويها ويكون له بها الاعتماد في الحركات، ولم يتم ذلك بشيء من الأعضاء الرخوة كاللحم، فاقتضت حكمة البارئ تعالى خلق العظام لتلك المنافع، فمنها ما يكون للبدن كالأساس مثل فقار الصلب فإن البدن يبني عليه كالخشبة التي تبني عليها السفينة،
(١) فكر في أعضاء البدن أجمع وتقدير كل عضو منها للأرب فيها فإن زعمت أن هذا من فعل الطبيعة سألناك عن هذه الطبيعة أهي شيء له علم وقدرة على هذه الأفعال أم ليست كذلك؟ فإن أوجبت لها العلم والقدرة فما امتناعك من إثبات الخالق، فإن هذه هي صفة الخالق، فإن زعمت أنها تفعل هذه الأفعال بغير علم وعمد فهو محال؛ لأن أفعالها ما قد ترى من الصواب والحكمة فعلم أن هذا الفعل للخلاق العظيم، وأن الذي سميته طبيعة هي سنته سبّبه من خلقته الجارية على ما أجراها عليه، والطبيعة على قولك تقتضي إما فاعلا أو مفعولا فإن أردت الفاعل لزم أن تجعلها متقدمة لمفعولاتها وهذا كقولنا في البارئ وإن أردت مفعولا فلكل مفعول فاعل، فما ينكر أن يكون الله، وإن قلت أن الطبيعة والطبائع لم يزد إلا أتيت بمحال وقلت: باثنين قديمين. انظر الدلائل والاعتبار (٤٣).