للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس لطلب المنافع من الصيد والحطب وغيرهما، فيصير مسكنا للناس موضعا للزرع والغرس فيصير مدنا وقرى، فسبحانه ما أعظم شأنه!

[فصل: في فوائد الجبال وخواصها وعجائبها]

أما فائدتها العظمى فما ذكره الله تعالى في كتابه: ﴿وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥] وقال بعضهم: لو لم تكن الجبال لكان وجه الأرض مستديرا أملس، فكان مياه البحار تغطيها من جميع جهاتها، وتحيط بها إحاطة كرة الهواء بالماء؛ فبطلت الحكمة المودعة في المعادن والنباتات والحيوانات، فاقتضت الحكمة الإلهية وجود الجبال لما ذكرناه من الحكمة.

وقال بعضهم: إن الجبال لوجود الماء العذب السائح على وجه الأرض الذي هو مادة حياة النبات والحيوان؛ وذلك لأن سبب هذا الماء انعقاد البخار في الجو فيصير سحابا، والجبال الشامخة الطوال في المشرق والمغرب والجنوب والشمال تمنع الرياح أن تسوق البحار، بل تجعلها منحصرة حتى يلقحها البرد؛ فيصير مطرا أو ثلجا، فلو فرضت الجبال مرتفعة على وجه الأرض لكانت الأرض كرة لا غور فيها ولا نتوء.

والبخار المرتفع لا يبقى في الجو منحصرا إلى وقت يضربه البرد، بل يتحلل ويستحيل هواء، فلا يجري الماء على وجه الأرض إلا قدرا ينزل مطرا، ثم تنشفه الأرض فيعرض من ذلك أن الحيوان يعدم الماء في الصيف عند شدة الحاجة إليه، كما في البادية البعيدة؛ فاقتضى التدبير الإلهي وجود الجبال؛ ليحصر البخار المرتفع من الأرض من أغوارها ويمنع من السيلان، ويمنع الرياح أن تسوقها كما يمنع السقف الماء فيبقى محفوظا إلى أن يلقحه البرد زمان الشتاء، فيجمده ويعصره فيصير ماء، ثم ينزل مطرا وثلجا.

والجبال في أجرامها مغارات وأهوية وأوشال وكهوف، فيقع على قللها الأمطار والثلوج، وينصب إلى تلك المغارات والأوشال، وتبقى فيها مخزونة، وتخرج من أسافلها من منافذ ضيقة وهي العيون، فساحت منها المياه على وجه الأرض؛ فينتفع بها النبات والحيوان وما فضل ينصب إلى البحار، فإذا فني ما استفادته من الأمطار والثلوج لحقها نوبة الشتاء فعادت إلى مكان، ولا يزال دأبها كذلك إلى أن يبلغ الكتاب أجله.

(ولنذكر) بعض الجبال وخواصها العجيبة مرتبا على حروف المعجم إن شاء الله تعالى.

(جبل أولشان) بأرض الروم، في وسط هذا الجبل درب فيه دوران، من اجتاز فيه وهو في

<<  <   >  >>