ومنها: ما يصحح القوى ويصفي البشرة ويذكي الحواس ويهيج الشهوة، ومنها: ما يكون بضد ذلك، ومنها: إجراء السفينة الثقيلة وقطع المسافة الطويلة بمدة يسيرة، وأعجب من هذا نشرها السحاب وسوقها إياه إلى المواضع المحتاجة إلى السقي؛ لإحياء البلاد والعباد، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ [الأعراف: ٥٧].
[فصل: في الرعد والبرق وما يتعلق بهما]
زعموا أن الشمس إذا أشرقت على الأرض حللت منها أجزاء أرضية يخالطها أجزاء نارية، ويسمى المجموع دخانا، ثم الدخان يمازجه البخار ويرتفعان معا إلى الطبقة الباردة من الهواء؛ فينعقد البخار سحابا، ويحتبس الدخان فيه، فإن بقي على حرارته قصد الصعود، وإن صار باردا قصد النزول.
وأيّا ما كان يمزق السحاب تمزيقا عنيفا؛ فيحدث منه الرعد، وربما يشتعل نارا؛ لشدة المحاكة؛ فيحدث منه البرق إن كان لطيفا، والصاعقة إن كان غليظا كثيرا؛ فتحرق كل شيء أصابته، فربما يذيب الحديد على الباب ولا يضر بخشبه، وربما يذيب الذهب في الخرقة ولا يضر الخرقة، وقد يقع على الماء فيحرق حيتانه وعلى الجبل فيشقه.
واعلم أن الرعد والبرق يحدثان معا، لكن يرى البرق قبل أن يسمع الرعد؛ وذلك لأن الرؤية تحصل بمراعاة البصر، وأما السمع فيتوقف على وصول الصوت إلى الصماخ، وذلك يتوقف على تموج الهواء، وذهاب النظر أسرع من وصول الصوت، ألا ترى أن القصار إذا ضرب الثوب ثم يسمع الصوت بعد ذلك بزمان.
والرعد والبرق لا يكونان في الشتاء؛ لقلة البخار الدخاني، ولهذا المعنى لا يوجد في البلاد الباردة عند نزول الثلج؛ لأن شدة البرد تطفئ البخار الدخاني، والبرق الكثير يقع عنده مطر كثير؛ وذلك لتكاتف أجزاء الغمام، فإنها إذا تكاتفت انحصر الماء فيها، فإذا نزل نزل بشدة، كما إذا احتبس الماء ومنع جريه ثم أطلق؛ فإنه يجري جريا شديدا، ولهذه العلة من أمسك نفسه عن الضحك قهقه بغتة، والله الموفق.