ومن العجب كونه جمع بين الحافر والقرن؛ فإن كل حيوان ذي حافر ليس له قرن وهو أقل الحيوانات عدوا يعيش سبعمائة سنة وهيجانه بعد خمسين سنة ومدة حمله ثلاث سنين، وزعموا أن الكركند إذا كان بأرض لم يدع شيئا من الحيوانات في تلك البلاد حتى لو كان بينه وبينها مائة فرسخ من جميع الجهات فإنها تهرب من هيبته، وإذا رأى الفيل يأتيه من ورائه ويضرب بقرنه بطنه ويقوم على رجليه ويدفع الفيل حتى ينتشب بقرنه ثم يريد أن يتخلص فلا يمكنه فيخر على الأرض فيموت هو والفيل أيضا. وذكروا أن السلاح لا يعمل في الكركند ولا يقاومه سبع ولا بهيمة، وأنه يحب الفاختة يمشي إلى شجرة عليها عش الفاختة يقف تحتها ويطيب نفسه بهديرها، والفاختة تقع على قرنه فلا يحرك رأسه؛ لكيلا تنفر الفاختة.
[فصل: في خواص أجزائه]
قالوا: على قرنه شعبة منحنية انحناؤها مخالف لانحناء القرن، وله خواص، وعلامة صحتها أنه يرى منها شكل فارس لا توجد تلك الشعبة إلا عند ملوك الهند.
من خواصها حل كل عقد فلو أخذها صاحب القولنج بيده ينفتح في الحال والمرأة التي ضربها الطلق إذا أخذته بيدها وضعت في الحال ولو أرادوا استخلاص حصن توضع الشعبة في الماء ويرش في الحصن؛ فإنه يتخلص ولو سحق منها شيء وسقي المصروع يزول صرعه وكذلك من به فالج أو شنج، وحاملها يأمن عين السوء، ولا تكبو به الفرس، وإذا ترك في الماء الحار يتركه باردا، ومن عضه الكلب يسقى من قرن الكركند بدهن البلسان ينفعه نفعا بينا.
قال ابن أبي الختر الاستراباذي صاحب كتاب (برهة نامت الجلاس) حاكيا عن أبيه قال:
كنت رائحا إلى عرنين مع قافلة فأتانا الخبر أن قوما من اللصوص في الطريق فأصاب القوم اضطراب من ذلك، وكان فينا رجل فقال: يا قوم لا تحزنوا؛ فإني أكفيكم شرهم بشرط أنكم تذهبوا بي إليهم، فذهب به بعض أهل القفل إلى موضع اللصوص، وكانوا في شعب بين جبلين فأخرج شيئا من وسطه ودلكه بالتراب دلكا شديدا، ثم أشرف عليهم ونثر ذلك التراب على رءوسهم فهبت ريح عاصفة في ذلك الشعب منع اللصوص من القيام، ومن قام منهم وقع ثم عاد إلى القفل، ثم قال: امضوا بدعة وسلامة ففزنا من ذلك المقام وسلمنا، فلما وصلنا إلى عرنين دخلت يوما على الشيخ الرئيس أبي على رأيت ذلك الرجل عنده فأخبرته بصنيعه، فقال: كان ذلك عنده قرن الكركند وفيها عجائب كثيرة، وهذا الرجل من خواص أصدقائنا جاءنا من بلاد الهند وأهدى إلينا طعام أو شراب فيه سم كسر قوة السم.