وقالوا: وكنا نرى الماء يخرج من فيها وأنفها ويصعد إلى السماء وتصل إلينا رشاشاته مثل المطر، وبيننا وبينها مسافة بعيدة، وهذه السمكة تقطع السفينة إذا عبرت من تحتها أو خزجت عليها، فإذا رأى أصحاب المركب هذه السمكة يضجون إلى الله تعالى؛ حتى يدفعها عنهم مكرمة.
(ومنها) سمكة تعرف بالبال، طولها أربعمائة ذراع إلى خمسمائة ذراع، فيظهر في بعض الأوقات طرف من جناحه يكون كالشراع العظيم، ويظهر رأسه وينفخ فيه الماء فيذهب الماء في الجو أكثر من غلوتين، والمراكب تفزع منها ليلا ونهارا، فإذا أحسوا بها ضربوا بالدبادب وضجوا حتى تنفر، وإنها تحشو بذنبها وأجنحتها السمك إلى فيها.
فإذا بغت على حيوان البحر بعث الله سمكة نحو الذراع تدعى اللشك تلتصق بأذنابها ولا خلاص للبال منها، فتطلب قعر البحر وتضرب الأرض بنفسها حتى تموت وتطفو فوق الماء كالجبل العظيم، وربما يقذف البحر عند اشتداده قطعا من العنبر كالتلال فيأكلها البال فيقلها فتطفو فوق الماء.
ولها أناس يرصدونها في المراكب من الزنج، فإذا أحسوا بذلك طرحوا فيها الكلاليب وجذبوها إلى الساحل ويشقون بطنها، ويستخرجون العنبر منها، فما يكون في بطنها يكون شهكا تعرفه التجار والعطارون بالعراق وفارس والهند، وما يكون في ظهرها يكون جيدا نقيّا، والله الموفق.
(بحر المغرب) هو من بحر الشام وبحر قسطنطينية (١)، مأخذه من البحر المحيط ثم يمتد مشرقا فيمر بشمالي أندلس ثم ببلاد الفرنج إلى قسطنطينية، ويمتد من جهة الجنوب إلى بلاد أولها سلا ثم سبتة وطنجة إلى طرابلس والإسكندرية، ثم سواحل الشام إلى أنطاكية، وفيه الجزائر العظيمة كجزائر الأندلس وغيرها.
وذكر في كتاب أخبار مصر: أنه بعد هلاك الفراعنة كان ملك بني دلوكة في شق البحر المحيط من المغرب، وهو بحر الظلمات، فغلب على كثير من البلدان العامرة والممالك العظيمة، وامتد إلى الشام وبلاد الروم، وصار حاجزا بين بلاد مصر والروم، وهو الخليج الذي في زماننا هذا على أحد ساحليه المسلمون، وعلى الآخر النصارى من الفرنج.
(١) بحر المغرب: ويسمى الآن البحر البيض المتوسط، ويفصل بين قارة إفريقيا وقارة أروبا.