للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعند غيرهم بحر طرابنده يمر عليه سور القسطنطينية، ويتضايق حتى يقع في بحر الشام، ثم يمتد نحو الشمال على محاذاة أرض الصقالبة، ويخرج منه خليج عظيم في شمال الصقالبة يمتد إلى أرض قريبة من أرض بلغام.

(البحر الأبيض) ينحرف نحو المشرق بين سالحه وبين أقصى أرض الترك أرضون وجبال مجهولة وخربة غير مسلوكة، ثم يتشعب منه خليج من أعظم الخلجان يكون منه البحر الذي يسمى في الموضع من الأرض التي تحاذيه باسمه، فيكون أولا بحر الصين، ثم بحر الهند، ثم يخرج منه خليجان عظيمان؛ أحدهما: بحر فارس، والآخر: بحر القلزم (١)، ثم ينتهي إلى بحر معروف ببحر البربر، ويمتد من عدن إلى سقالة الزنج.

وهذا البحر لا يتجاوزه مركب لعظم المخاطرة، ثم ينتهي إلى الجبال المعروفة بالقمر التي ينبع منها عيون نيل مصر، ثم إلى أرض سودان المغرب، ثم إلى بلاد الأندلس وبحر أوقيانوس، وفي هذا البحر من الجزائر ما لا يعرفه إلا الله تعالى.

وأما ما وصل إليه الناس فكثير، كل جزيرة من عشرين فرسخا إلى مائة فرسخ وإلى ألف فرسخ، والمشهور منها جزيرة قبرص وجزيرة شامس وجزيرة رودس وجزيرة صقلية، وفي جهة الجنب جزائر الزنج وسرنديب وسقطر أو جزائر الدنيجات.

وأما بحر الخزر، فإنه غير متصل بالمحيط ولا بشيء من البحار، وهو مستدير إذا أراد السائر أن يطوف به على ساحله لا يمنعه شيء.

وذكر السمرقندي في كتابه أن ذا القرنين أراد أن يعرف ساحلي هذا البحر؛ فبعث مركبا فيه، وأمره بالمسير سنة كاملة، لعله أن يأتي بخبر، فسار المركب سنة كاملة ما رأى سوى سطح الماء وأراد الرجوع، فقال بعضهم: نسير شهرا آخر لعلنا نطلع على شيء نبيض به وجوهنا عند الملك، ونقلل الزاد والماء في الرجوع، فساروا شهرا آخر فإذا هم بمركب فيه أناس، فالتقى المركبان ولم يفهم أحدهما كلام الآخر، فدفع قوم ذي القرنين إليهم امرأة وأخذوا منهم رجلا، ورجعوا به وزوجوه امرأة منهم، فأتت بولد يفهم كلام الوالدين، فقالوا له: سل أباك من أين جئت؟ فقال:

من ذلك الجانب، فقال: لأي شيء؟ قال: بعثنا الملك لنعرف حل هذا الجانب، فقيل له: وهل لكم ملك؟ قال: نعم، أعظم من هذا الملك، والله أعلم بصحة هذا القول.


(١) بحر القلزم: هو البحر الأحمر الذي يفصل قارة إفريقيا عن قارة آسيا.

<<  <   >  >>