للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما ارتفاعها فزعموا أن الشمس إذا أثرت في مياهها لطفت، وتحللت وملأت مكانا أوسع مما كان فيه قبل، فدافعت أجزاؤها بعضها بعضا إلى الجهات الخمس؛ الشرق والغرب والجنوب والشمال والفوق، فتكون على سواحلها في وقت واحد رياح مختلفة، هذا ما ذكروه في سبب ارتفاع مياهها.

وأما مد بعض البحار في وقت طلوع القمر، فزعموا أن في قعر البحر صخورا صلدة وأحجارا صلبة، وإذا أشرق القمر على سطح ذلك البحر وصلت مطارح أشعته إلى تلك الصخور والأحجار التي في قرارها، ثم انعكست من هناك متراجعة فسخنت تلك المياه وحميت ولطفت، فطلبت مكانا أوسع، وتموجت إلى ساحلها، ودفع بعضها بعضا، وفاضت على شطوطها، وتراجعت المياه التي كانت تنصب إليها إلى خلف.

فلا تزال كذلك ما دام القمر مرتفعا على وسط سمائه، فإذا أخذ ينحط سكن غليان تلك المياه وبردت تلك الأجزاء وغلظت، ورجعت إلى قرارها، وجرت الأنهار على عادتها، فلا يزال كذلك دائما إلى أن يبلغ القمر إلى الأفق الغربي.

ثم يبتدئ المد على مثال عادته في الأفق الشرقي، ولا يزال ذلك دائما إلى أن يبلغ القمر إلى وتد الأرض وينتهي المد، ثم إذا زال القمر عن وتد الأرض أخذ الماء راجعا إلى أن يبلغ القمر إلى أفقه الشرقي، هذا قولهم في مد البحار وجزرها.

وأما هيجانها فكهيجان الأخلاط في الأبدان، فإنك ترى صاحب الدم والصفراء وغيرهما يهتاج به الخلط ثم يسكن قليلا قليلا، وقد عبر النبي عن ذلك بعبارة لطيفة فقال: «إن الملك الموكل بالبحر يضع رجله بالبحر فيكون منه المد ثم يرفع فيكون منه الجزر»، ولنذكر الآن هيئات البحار وبعض ما يتعلق بها من العجائب، والله الموفق.

(البحر المحيط) والبحر العظيم الذي منه مادة سائر البحار، ولم يعرف ساحله، يسميه اليونانيون أوقيانوس، والبحار التي تراها على وجه الأرض هي بمنزلة الخلجان له، وفيها من الجزائر المسكونة والخربة ما لا يعلمه إلا الله تعالى.

قال أبو الريحان الخوارزمي رحمه الله تعالى: إن البحر الذي في مغرب المعمورة على ساحل بلاد الأندلس يسمى البحر المحيط، ويسميه اليونانيون أوقيانوس، لا يولج فيه، وإنما يسلك بالقرب من ساحله ويمتد من هذه البلاد نحو الشمال؛ فيخرج منه خليط نبطس عند اليونانيين،

<<  <   >  >>