للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأفلاك، ثم حجبها بكرة الزمهرير ليمنع برد الزمهرير رهج الأثير عن الحيوانات والنبات، وإلا لأدى إلى هلاكها ثم أي شيء أعجب من خروج هذا الجرم النوراني من الحديد والحجر الكثيفين، أو من الشجر الأخضر الذي يخالف طبيعة النار، أو من الحرارة والضياء اللتين يلازمانها ثم من غلبتها وسلطانها على الأجسام حتى على الصخرة الصماء، فتجعلها ترابا، وعلى الحديد فتذيبه، وإذا تفكرت في المصابيح المتعلقة بها للخلق سيما لنوع الإنسان وجدت فهم الإنسان عن ضبطها قاصرا ولهذا قال تعالى: ﴿نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة: ٧٣ - ٧٤]، فسبحان ما أعظم شأنه.

(ومن النيران) العجيبة نار خلقها الله لقبول القرابين تنزل من السماء تأكل القربان المقبول، وهي التي أكلت قربان هابيل دون قربان قابيل، وكان ذلك الامتحان في بني إسرائيل أيضا إذا أرادوا امتحان إخلاصهم تركوا القربان في بيت لا سقف له ونبيهم يدخل البيت ويدعو الله تعالى، والناس خارج البيت فينزل من السماء نار بيضاء لها دوي محيط بالقربان فتأكله، وهي التي أخبر الله تعالى عنها حيث قال: ﴿الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ﴾ (١) فهذه نار الرضا، فسبحان من جعلها مرة للرضا ومرة للسخط.

(ومنها نار) جعلها الله تعالى لسخطه كنار أصحاب الجنة التي ذكرها الله تعالى، وهو أنه كان لرجل صالح بستان إذا كان يوم قطافه يطعم من جاء من المساكين، فلما مات عزم أولاده على أن لا يعطوا المساكين شيئا يقطفوها سرّا، فلما ذهبوا إليها وجدوها قد احترقت فلما رأوها قالوا: ﴿إِنّا لَضَالُّونَ (٣٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ إلى قوله: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ﴾ [القلم: ٢٦ - ٣٠] (٢).

(ومنها نار الصاعقة) وهي نار تسقط من السماء تحرق أي جسم صادفته، وتتتقد في الصخرة الصماء لا يرد عليها إلا الماء، ذكروا أنها ربما تحجرت فتصير ألماسا فقطاع الألماس منها، والله تعالى أعلم بذلك.


= أخرى، وهي أنها مما خص به الإنسان دون جميع الحيوان لما فيه من المصلحة، فإنه لو فقد النار لعظم ما يدخل عليه من الخلل في معيشته.
انظر الدلائل والاعتبار للجاحظ (١٣).
(١) قوله تعالى: ﴿عَهِدَ إِلَيْنا﴾ أي: أمرنا وأوصانا في التوراة [بقربان] أي: ما يتقرب به العبد من السر إلى الله تعالى.
(٢) قوله تعالى: ﴿إِنّا لَضَالُّونَ﴾ الطريق وما هذه جنتنا ﴿يَتَلاوَمُونَ﴾ أي: يلوم بعضهم بعضا.

<<  <   >  >>