(نعامة) حيوان مركب من خلقة الطير والجمل (١) يقال له بالفارسية: استرموع، أخذ من البعير العنق والوظيف والمنسم، ومن الطير المنقار والجناح والريش وهو صحيح حاسة الشم والسمع، يأكل الحصاة وتذوب في قانصته حتى يصير كالماء لخاصية خلقها الله تعالى فيه، كما أنا نرى جوف الكلب يذيب العظام دون النوى، وأيضا تبلع الجمر ولا يضرها وتحمي صنجة مائة درهم من الحديد حتى تحمر وترمى إلى النعامة فتبلعها وتستمرئها.
وإذا باضت تدفن البيضة تحت التراب؛ لئلا يقع عليها الذباب والبق والنمل وغيره وإذا عدت النعامة أرخت جناحها إلى رجليها فلا يسبقها شيء من الحيوانات، ومن العجب أنها إذا استقبلت الريح كان عدوها أشد مما إذا استدبرتها.
وسئل أبو عبيدة عن ذلك فقال: إذا عدا كان بين الوثب والحفز والطيران كالريح إذا عصفت من خلفه، وإذا استقبلها وضع عنقه على ظهره ثم خرق الريح لا يخاف أن يكبه على وجهه.
وإذا دخل الصيف وابتدأ البسر بالحمرة ابتدأ لون النعامة بالحمرة أيضا ولا يزالان يزدادان حمرة إلى أن تنتهي حمرة البسر، ولا مخ لعظمها فإذا أصاب إحدى رجليها آفة وقفت لا تقوم على الأخرى، وإذا باضت تبيض عشرين بيضة أو أكثر فتجعلها ثلاثة أقسام تدفن ثلثها في التراب، وتترك ثلثها في الشمس، وتحضن ثلثها فإذا خرجت أفراخها كسرت ما كان في الشمس وغذتها بما فيها من الرطوبات التي ذوّبتها الشمس ورققتها.
فإذا اشتدت فراريجها وقويت أخرجت المدفون، وفتحت لها ثقبا فيجتمع عليها الذباب والبق والنمل وغيرها من الهوام فتأكلها فراريجها إلى أن تقوى فغدت ورعت.
فانظر إلى هذه التربية العجيبة من غير تعليم من أستاذ ولا آباء، فسبحانه من حكيم ما أعظم شأنه.
(١) يضرب بها المثل يقال: (فلان شالت نعامته) أي: مات وجاء كالنعامة أي: رجع خائبا.