وعن أنس بن مالك ﵁ قال: من عمره الله أربعين سنة كف عنه أنواعا من البلاء منها الجذام والبرص وجنون الشيطان، ومن عمره الله خمسين سنة في الإسلام خفف حسابه يوم القيامة، ومن عمره الله ستين سنة رزقه الإنابة إليه بما يحب له ﷿، ومن عمره سبعين سنة أحبه أهل السماوات وأهل الأرض، ومن عمره ثمانين سنة محا سيئاته وكتب حسناته، ومن عمره تسعين سنة غفر له ذنوبه وكان أسير الله في الأرض وشفع في أهل بيته.
وذهب العلماء إلى أن تكرر الأعوام يرى فيه حوادث عجيبة الشكل غريبة غير معهودة ويحسب اختلاف الأهوية معادن غريبة ونبات وأشجار بديعة ربما يصير العمر غامرا والغامر عامرا والبر بحرا والبحر برّا والسهل جبلا والجبل سهلا كل ذلك بتقدير العزيز العليم.
ولنختم هذا الفصل بحكاية عجيبة، وهي ما روي أنه كان من بني إسرائيل شاب عابد، وكان الخضر ﵇ يأتيه، فسمع بذلك ملك زمانه فأحضره بين يديه وقال، إذا جاءك الخضر فائتني به وإلا قتلتك، فقال الشاب: ويحكم أآتيك بالخضر؟ قال: نعم وإلا قتلتك، فرجع الشاب إليمكانه متفكرا في أمره حتى جاءه الخضر ﵇، فحدثه بحديث الملك، فقال:
امض بي إليه، فلما دخلا على الملك قال له الملك: أنت الخضر؟ قال: نعم، قال: حدثني بأعجب شيء رأيته، فقال الخضر ﵇: رأيت كثيرا من عجائب الدنيا وأحدثك بما حضرني الآن، كنت في اجتيازي مررت بمدينة كثيرة الأهل والعمارة سألت رجلا من أهلها متى بنيت هذه المدينة؟ فقال: هذه مدينة عظيمة ما عرفنا مدة بنائها نحن ولا آباؤنا، ثم اجتزت بها بعد خمسمائة سنة فلم أر للمدينة أثرا ورأيت هناك رجلا يجمع العشب فسألته متى خربت هذه المدينة، فقال:
لم تزل هذه الأرض كذلك فقلت: أما كانت هاهنا مدينة؟ فقال: ما رأينا هاهنا مدينة ولا سمعنا عن آبائنا، ثم مررت بها بعد خمسمائة عام، فوجدت بها بحرا فلقيت هناك جمعا من الصيادين فسألتهم متى صارت هذه الأرض بحرا؟ فقالوا مثلك يسأل عن هذا إنها لم تزل كذلك، قلت:
أما كان قبل ذلك يبسا؟ قالوا: ما رأينا ولا سمعنا به عن آبائنا ثم اجتزت بعد خمسمائة عام وقد يبست فلقيت بها شخصا يختلي (١)، فقلت: متى صارت هذه الأرض يبسا؟ فقال: لم تزل كذلك، فقلت له: أما كان بحرا قبل هذا؟ فقال: ما رأيناه ولا سمعنا به قبل هذا، ثم مررت بها بعد خمسمائة عام فوجدتها مدينة كثيرة الأهل والعمارة أحسن مما رأيتها أولا، فسألت بعض أهلها متى بنيت هذه المدينة؟ فقال: إنها عمارة قديمة ما عرفنا مدة بنائها نحن ولا آباؤنا، فقال: الملك: إني أريد أن أتبعك وأفارق ملكي فقال له: إنك على ذلك ولكن اتبع هذا الشاب فإنه يدلك على الرشاد، والله الموفق للصواب. تمت المقالة الأولى في العلويات والحمد لله رب العالمين.
(١) يختلي أي: يقضي حاجته في الخلاء من بول أو غائط.