للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عمر بعد الإسلام]

ولد عمر من جديد، كما ولد حمزة عملاقاً، فإن عمر أيضاً ولد عملاقاً.

ولد عمر فقيهاً حازماً مضحياً، فأول كلمة قالها بعد الإسلام كانت: يا رسول الله! ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال: ففيم الاختفاء؟! وانتبه لما يقول: ألسنا على الحق؟ لا يقول: ألستم على الحق؟ فقد أصبح مسلماً، ويقترح عليهم آراء ويفكر لخدمة الدين، وينظر ما هو الأصلح، ويتحرك للدعوة، هذا هو عمر.

الاختفاء كما هو معلوم كان لأسباب، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يحسب كل شيء بدقة، يأخذ بكل الأسباب، أما الآن فعلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعيد حساباته مرة أخرى؛ لأن الوضع تغير من ثلاثة أيام مضوا، إن كان للاختفاء مزايا قبل ذلك فللإعلان أيضاً مزايا، فإيمان حمزة وعمر غير الوضع، والرسول صلى الله عليه وسلم وافق على الإعلان؛ لأن اثنين من رجال المسلمين غيرا مسار الدعوة بكاملها.

في هذه الفترة الحرجة سيبدأ إعلان الإسلام في مكة، ويظهر المسلمون الشعائر أمام الناس في مكة.

غير الرسول صلى الله عليه وسلم كل المرحلة عندما دخل حمزة وعمر في الدين، أخذوا القرار وخرجوا في نفس اللحظة في صفين: عمر على أحدهما، ولم يؤمن إلا منذ دقائق، وحمزة على الآخر، وما آمن إلا منذ ثلاثة أيام فقط.

سارت الكتيبة العسكرية الإسلامية من دار الأرقم إلى المسجد الحرام أكثر الأماكن ازدحاماً في مكة، حتى يراهم أكبر عدد من قريش، رأت قريش المسلمين وأمامهم حمزة وعمر فأصابتهم كآبة شديدة، يقول عمر: (فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يومئذ.

نظر عمر إلى المسجد الحرام فلم يجد أبا جهل مع الناس، وهو أشدهم محاربة للإسلام، فقرر أن يذهب إليه في بيته، ويعلن له أمر إسلامه.

يقول عمر: فأتيته حتى ضربت عليه بابه، فخرج إلي وقال: مرحباً وأهلاً يا ابن أختي، فقال عمر: جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد، وصدقت بما جاء به، قال عمر: فضرب الباب في وجهي، وقال: قبحك الله وقبح ما جئت به، لكن عمر كان سعيداً؛ لأنه كاد لـ أبي جهل.

وكان عمر يرى أنه ما زال هناك كثر لم يعلموا بعد بأمر إسلامه، ولن يذهب إلى كل واحد في بيته يخبره، فذهب لرجل اسمه جميل بن معمر الجمحي، وهو كما يقول سيدنا عمر أنقل قريش لحديث.

يعني: مثل وكالات الأنباء، لا يستطيع حفظ السر، لا يسمع شيئاً إلا ونقله للناس، فذهب سيدنا عمر إليه، وقال له: يا جميل! لقد أسلمت، فنادى جميل بأعلى صوته قائلاً: إن ابن الخطاب قد صبأ، يعني: ارتد، لكن سيدنا عمر جرى وراءه، وقال له: كذبت ولكني أسلمت.

المهم أن كل مكة علمت أن عمر قد دخل في دين الإسلام، وهذا هو المطلوب.