الموقف الأول: هو موقف أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي أحبه حباً يفوق حب أولاده، والذي كفله بعد وفاة جده عبد المطلب، وموقفه يعتبر من أكبر علامات الاستفهام في التاريخ، وقف أبو طالب إلى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجعه بكل طاقاته، لكنه ما دخل في دينه، أخذ أبو طالب كل تبعات الدين الشاقة، وما استمتع بأحلى ما في هذا الدين؛ من تضحية، وبذل، وجهاد، وعطاء، وتعب، وسهر؛ لأنه لم يؤمن، {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[القصص:٥٦].
قام أبو طالب فقال: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أني أسرعهم إلى ما تحب -أي: أسرعهم إلى نصرتك ومعاونتك-، فامض لما أمرت به.
أي: أنه يعلم أن الله عز وجل هو الذي أمره بذلك، ولم يأت به من عنده صلى الله عليه وسلم، ثم يقول أبو طالب: فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب.
هذا يعني أنه تيقن أنه رسول من عند الله سبحانه وتعالى، وأنه أمر بهذا الكلام ولم يأت به من عنده، وأنه صادق لا يكذب، ومع ذلك يقول: نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب.
هذا تناقض بشع في نفس المقالة، ما الذي وقف حاجزاً بينه وبين الإيمان؟ التقاليد، تقديس رأي الآباء والأجداد والعائلات، حتى وإن كان مخالفاً للحق، فهذه الجريمة وراء مصائب كثيرة حدثت لـ أبي طالب وتحدث لغيره ممن ساروا على نهج آبائهم وعصوا الله عز وجل، وخالفوا منهج رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
المهم في هذا أن أبا طالب كان واضحاً في دفاعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول يوم جهر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة لأقاربه.
وعلى الجانب الآخر قام أبو لهب وظل مصراً على عدائه، قال: هذه والله السوأة، خذوا على يده قبل أن يأخذ غيركم، فقال أبو طالب: والله لنمنعه ما بقينا.
إذاً: يتضح أمامنا أن هناك موقفين لأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ موقف مدافع يتزعمه أبو طالب، وموقف مهاجم يتزعمه أبو لهب.