للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأسباب التي دعت إلى غزوة بدر الكبرى]

عادت قافلة مكية من الشام إلى مكة بقيادة أبي سفيان، ومعظم القوافل التي خرج لها المسلمون قبل ذلك لم يحدث فيها قتال كما تعلمون، حتى القتال الذي حصل في سرية نخلة كان قتالاً بسيطاً، ١٠ من المسلمين يحاربون ٤ من الكفار، لكن هذه القافلة كانت تختلف عن بقية القوافل في بعض الأمور المهمة: أولاً: هذه القافلة من أكثر القوافل المكية مالاً، فضرب هذه القافلة يمثل ضربةً اقتصاديةً هائلةً لمكة، فيها ألف بعير موقرة بالأموال، وفيها ما لا يقل عن خمسين ألف دينار ذهبي.

ثانياً: هذه القافلة ليست بقيادة قائد مغمور من قواد مكة أو تاجر عادي من تجار قريش، بل هي بقيادة أبي سفيان بن حرب من سادة قريش، ومع هذه القافلة حراسة مكونة من ٣٠ إلى ٤٠ مشركاً، أما قافلة نخلة فكان معها أربعة رجال فقط.

ثالثاً: هذه القافلة تمر بجوار المدينة في شهر رمضان، يعني: بعد شهر ونصف شهر فقط من أحداث سرية نخلة، وموقف المؤمنين مع هذه القافلة يؤكد صلابة موقفهم واستمرارية حربهم ضد المشركين، ويثبت أنهم ليسوا خائفين أبداً من آثار سرية نخلة، بل على العكس يعتبر هذا الخروج تأكيداً واضحاً لقوة المسلمين وتصميمهم على الحرب ضد قريش إلى النهاية، ولا شك أن هذا سيهز كفار مكة.

لذلك خرج الرسول صلى الله عليه وسلم خرج بأكبر عدد من المسلمين، وإلى هذه اللحظة كل السرايا والغزوات السابقة لم يتجاوز عدد المسلمين فيها مائتين، لكنهم في غزوة بدر أصبح عددهم ٣١٣ أو ٣١٤ أو ٣١٧ على اختلاف الروايات، وقد خرج الأنصار لأول مرة مع المهاجرين، والغزوات والسرايا التي حدثت قبل بدر كلها كانت معتمدة على المهاجرين، كذلك كان خروج الأنصار في غزوة بدر برغبتهم أنفسهم، وبشورى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في صحيح مسلم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم استشار الناس في الخروج للقافلة، فأعلن أبو بكر الموافقة، وأعلن عمر الموافقة، وكثير من المهاجرين أعلنوا كذلك الموافقة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب المزيد من الرأي، حتى قال سعد بن عبادة زعيم الخزرج: (إيانا تريد يا رسول الله؟! فقال صلى الله عليه وسلم: أجل.

فقال: والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر -أي: الخيل- لأخضناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا) وبرك الغماد: مكان بعيد عن المدينة المنورة في اتجاه اليمن.

كانت هذه استشارة حصلت داخل المدينة المنورة، وعرض الأنصار أن يخرجوا مع الرسول عليه الصلاة والسلام إلى هذه القافلة، وقبل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا العرض، وفعلاً خرج الأنصار، بل معظم الجيش كان من الأنصار، فعدد الأنصار في بدر كان ٢٣١ أنصارياً، ٦١ من الأوس، و ١٧٠ من الخزرج، والمهاجرون كانوا ٨٣ فقط، يعني: ثلثي الجيش تقريباً من الأنصار، وتزود الرسول صلى الله عليه وسلم بسلاح المسافر، وأخذ معه فرسين وسبعين من الإبل، وقسم جيشه إلى مهاجرين وأنصار، وأعطى راية المهاجرين لـ علي بن أبي طالب، وراية الأنصار لـ سعد بن معاذ، وأعطى الراية العامة للجيش لـ مصعب بن عمير رضي الله عنهم أجمعين، وجعل على الساقة في مؤخرة الجيش قيس بن أبي صعصعة رضي الله عنه.

كان هذا الإعداد في منتهى القوة، هذا الجيش خرج لقافلة يحرسها ٣٠ أو ٤٠ رجلاً، أي: أن الجيش الإسلامي عشرة أضعاف حراس قافلة مكة تقريباً، والمخابرات الإسلامية حددت أن القافلة ستمر قريباً جداً من بدر، وهي على بعد حوالي ٧٠ كيلو متر جنوب المدينة المنورة، وهكذا اتجه الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة إلى بدر حتى يقطع الطريق على القافلة.

كانت القافلة المكية على رأسها أبو سفيان بن حرب، وهو من أذكى وأدهى العرب، وكان له مخابرات استطاع من خلالها أن يعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة المنورة قاصداً القافلة، لكنه لم يعلم بعد إلى أين وصل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يضيع وقتاً، بل أرسل رسالة سريعة إلى مكة يستنفر جيش مكة للخروج لإنقاذ القافلة، أرسل الرسالة مع واحد اسمه ضمضم بن عمرو الغفاري، فلما وصل ضمضم إلى مكة وقف على بعيره وشق قميصه، وبدأ يصرخ في أهل مكة: يا معشر قريش! يا معشر قريش! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها.

الغوث الغوث! ونفر الناس كلهم، فما تزال مصيبة سرية نخلة قريبة، وكلهم أخذ الموضوع بمنتهى الجدية.

وبدءوا في جمع المقاتلين من كل مكان، وأعدوا جيشاً كبيراً على أعلى مستوى، كان تعداده ١٣٠٠ مقاتل من قريش وما حولها من قبائل العرب هذا الإعداد الأول، وخرجوا بمائة فرس و (٦٠٠) درع، وجمال كثيرة جداً لا يعرف عددها، لكنهم كانوا ينحرون ٩ أو ١٠ من الإبل للطعام فقط يومياً، وخرج مع قيادة الجيش كل زعماء الكفر تقريباً: أبو جهل